الدار/ تحليل
بينما تحقق القضية الوطنية المزيد من الانتصارات والمكتسبات على الساحة الدولية والإقليمية، تزداد عزلة النظام الجزائري، وتضيق عليه دائرة المحاصرة التي فرضها على نفسه بقراراته العدائية غير المبررة ضد المغرب. بالأمس عندما كان مجلس الأمن الدولي يبت في قرار تمديد ولاية بعثة المينورسو ويرفض مقترحات الجزائر رفضا قاطعا، كان هذا النظام يحاول التغطية على هزائمه الدبلوماسية بالتحضير لتنظيم استعراضات عسكرية تحولت إلى موضوع سخرية واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي. يعكس هذا المشهد المفارقة الصارخة التي أضحى النظام الجزائري عالقا فيها، ممزقا بين عجزه عن ابتلاع الهزيمة والاعتراف بها، وبين وإصراره على إظهار وجه القوة والحديد في وجه الشعب الجزائري.
لماذا أصرّ النظام الجزائري على الاحتفال بذكرى الثورة الجزائرية من خلال استعراض كهذا؟ ما الذي دفعه إلى تنظيم مهزلة استعراضية بخردة سوفياتية مهترئة وجوقة من الجنرالات العجزة الذين تفوق أعمارهم السبعين عاما؟ في الحقيقة يلخص هذا المشهد حقيقة النظام الحالي، ويقدم تقييما عمليا للأداء السياسي والدبلوماسي للكابرانات. بدلا من مواجهة الحقيقة المتمثلة في نهاية وهم الانفصال وتأكيد مغربية الصحراء، ومحاولة العودة إلى الصواب والتطبيع مع الوضع الحالي، والتوقف عن مكايدة المغرب، يتشبث هذا النظام برقصة الديك المذبوح، ويحاول أن يستعرض “قوته غير الضاربة”، بينما يتزايد الدعم الدولي في الجهة المقابلة، ويقرر مجلس الأمن تحميل الجزائر المسؤولية المباشرة لاستمرار هذا النزاع المفتعل.
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور المغرب، ويعلن رسميا تأييد السيادة المغربية على الصحراء، واستعداد فرنسا للمشاركة في المشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية، وقرب افتتاح قنصلية فرنسية بها، يختار نظام الجنرالات العجزة تنظيم عملية استقبال كوميدية لرئيس جمهورية الوهم بن بطوش في مطار هواري بومدين وهو قادم أصلا من مطار جزائري آخر في تندوف. لا يوجد نظام سياسي أو عسكري أو حتى قبَلي في الدنيا يمكن أن يتحف الجماهير بهذه المسرحيات الهزلية التي يبحث عنها صنّاع المحتوى والمؤثرون في مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار. من الواضح أننا أمام نظام يعيش خارج التاريخ، بل هو غارق فيما يشبه الغيبوبة المطلقة، التي تجعله عاجزا عن متابعة ما يحدث حوله.
وما يحدث حوله في الحقيقة هو أن سيادة المغرب على صحرائه أصبحت الواقع الذي لا يرتفع بموجب القوانين الدولية نفسها، ومناصرة معظم القوى العالمية للحق المغربي، وإعلانها الاستعداد للمشاركة في مختلف جهود التنمية والبناء والتعمير بهذه المناطق. يكفي أن نعلم أن روسيا التي كان النظام الجزائري يعتبرها باستمرار حليفا وحاميا له، اتخذت موقفا داعما للحق المغربي وصادما لعصابة شنقريحة. فقد اعتبر مندوب روسيا في مجلس الأمن أن “امتناعه عن التصويت على القرار وعلى تعديلات الجزائر ينبع من موقف موسكو الراسخ، الرافض لإضافة حقوق الإنسان في عمل بعثة المينورسو”، وأضاف أن “هذا الأمر لا يتماشى مع هدف البعثة الأممية”. فإذا كان هذا هو موقف الدولة التي يعتمد عليها النظام الجزائري في تسليحه وتأييده، فماذا سنقول عن مواقف باقي الدول الأخرى؟
لقد استفاقت معظم دول العالم وأدركت أن تأييد السيادة المغربية على الصحراء هو القرار الأقرب إلى المنطق والتاريخ والقانون. ووحده نظام الكابرانات يواصل المكابرة والعناد، ويطوق نفسه من حيث يدري أو لا يدري بحزام العزلة والحصار، بدلا من مسايرة مسار التاريخ السائر في اتجاه الحد من المشاريع الانفصالية الوهمية. وإذا كان المجال ما يزال مفتوحا اليوم أمام هذا النظام لاستدراك ما فات، والعودة إلى خيار التعاون والتكامل الإقليمي والمغاربي، فقد لا يجد هذه الفرصة في المستقبل القريب، عندما يجدّ الجدّ، وتترسخ التحولات الجيواستراتيجية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي من المرتقب أن يؤدي فيها المغرب دورا مركزيا وحاسما باعتباره فاعلا سياسيا وتاريخيا رائدا في منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء.