تواجه النساء والفتيات هذا النوع من التهديدات الرقمية بكثرة؛ إذ وجدت دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، عام 2020 خلال فترة جائحة كورونا، بعنوان « العنف ضد المرأة في الفضاء الرقمي« ، أن قرابة نصف مستخدمات الإنترنت (49 في المائة) في ثماني دول عربية قُلن بعدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت، وأن 22 في المائة من النساء اللواتي واجهن العنف عبر الإنترنت، تعرضن « للابتزاز الجنسي المباشر ».
وتشير الدراسة إلى أن بعض البلدان العربية خصّصت بوابات إلكترونية أو استمارات أو عناوين بريد إلكتروني، للإبلاغ عن حوادث العنف ضد النساء والفتيات على الإنترنت، ضمن استجابتها للتصدي للعنف ضد النساء، ومع ذلك، لا يزال هناك انخفاض في معدلات الإبلاغ عن العنف عبر الإنترنت.
« قاوم » لمكافحة الابتزاز الرقمي
مع رصد عدد من حالات الابتزاز الرقمي للفتيات في مصر، برزت مؤسسة « قاوم« ، التي تعمل على توعية ضحايا العنف الرقمي من الجنسين ودعمهم وتشجيعهم، خاصة الفتيات، على تقديم بلاغات رسمية، وذلك عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول محمد اليماني مؤسس « قاوم »: « بدأنا بجروب أيام الكورونا لمحاربة العنف، خصوصاً الابتزاز والجرائم الإلكترونية، بعد ظهور جرائم عنف كثيرة جداً، وحالات انتحار عديدة بسبب الابتزاز ».
واجه اليماني سخرية حين بدأ مبادرته وحيداً، لكنّه اليوم محاط بمئات المتطوعين العاملين معه، واستطاعوا مساعدة أكثر من أربعة آلاف حالة، حسب قوله.
تقدم مؤسسة قاوم -عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي التي يصل عدد متابعيها على الفيسبوك وحده إلى أكثر من مليون ومئتي ألف متابع تقريباً- عدة خدمات إلكترونية مثل: حملات توعية، واستقبال طلبات المساعدة، والبلاغات الإلكترونية بشكل سري على مدار 24 ساعة، وطلب المساعدة عبر الرسائل، والدعم النفسي والقانوني الموجَّه للناجيات وذويهن.
يوضح اليماني أنهم يتحققون من صحة بلاغات وشكاوى الفتيات عبر عدة إجراءات؛ من بينها الحصول على نسخة مصورة من محادثات الابتزاز، أو النص المكتوب، مع وضع تمويه للصورة.
ووفقًا للدراسة التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن النساء يعتقدن أن أفضل وسيلة للتصدي للعنف عبر الإنترنت، هي معاقبة الجاني عبر اتخاذ الشرطة الإجراءات اللازمة.
يشير اليماني إلى أن نجاحه الحقيقي هو تشجيع الفتاة -التي تتعرض للتهديد، أو للابتزاز- على توثيق الجريمة، وتقديم بلاغ رسمي.
ويتمثل الحل الودي -بالنسبة لمؤسسة قاوم- في التواصل مع المعتدي بعد تقديم البلاغ للوصول إلى تفاهم، كما يشرح اليماني: « يتم في هذا الوضع اتخاذ الإجراءات كافة؛ من حذف كامل لأيّ محتوى يخصها، وتوقيع المتعدي على إقرار بمسؤوليته المستقبلية عن أيّ محتوى يضر الفتاة لضمان عدم تكراره لجرائم الابتزاز الإلكتروني؛ كما تتمّ متابعته من حين لآخر، لأن هدفنا هو تعديل سلوك الطرفين للأفضل، وإدماجهما في المجتمع لضمان سلامتهما النفسية، وعودتهما للحياة الآمنة والسوية مرة أخرى ».
« سوبر وومن »
من جانبها، ترى آية منير، مُؤسِّسة المبادرة المصرية « سوبر وومن« ، المتخصصة في دعم النساء، أن التكنولوجيا -وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي- ساعدت على منح النساء مساحة من الحرية للحديث عن قضاياهن ومناصرتها، وتقديم الدعم الرقمي والوجاهي لهن.
وتضيف آية منير: « لولا السوشيال ميديا مكنش هيتعرف إننا بنقدم دعم ». وتشير إلى أن مبادرتها قدمت حملات رقمية متنوعة عن العنف الأسري والرقمي منذ عام 2016.
وتؤكد آية أن فترة الإغلاق بسبب كورونا أسهمت في انتشار واسع للمبادرة؛ بسبب زيادة النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفة أن المبادرة اعتمدت على أدوات منصات التواصل الاجتماعي في جذب الجمهور مثل « الميمز »، والكوميديا، ودوائر الحكي، والمجموعات المغلقة.
الذكاء الاصطناعي لكشف الكراهية ضد النساء
في الأردن ظهرت أداة « نهى »، وهي أداة مفتوحة المصدر مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تساعد الباحثين على اكتشاف خطاب الكراهية القائم على الجنس باللغة العربية، عبر الإنترنت، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ابتكرت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا) هذه الأداة؛ لكشف خطاب الكراهية باللهجة الأردنية، بداية من الكلمات المسيئة، وحتى التهديد بالعنف أو القتل، سواء كانت من خلال تعليق أو منشور، على منصات مثل فيسبوك، وإنستغرام، وإكس (توتير سابقا)، وفق يارا الرافعي، الباحثة بالجمعية.
وتوضح يارا: « غذينا الأداة في البداية بعشرات الآلاف من الجمل والعبارات، وليس الكلمات؛ حتى تستطيع الأداة فهم السياق الكامل ». وأشارت إلى أن الجمعية تبحث تطوير الأداة عبر إضافة لهجات عربية أخرى مثل: المصرية والعراقية.
وغُذّيت الأداة بمجموعة بيانات تمّ الحصول عليها عبر رصد 20 وسماً رائجاً يتعلق بالمرأة والحركة النسوية، بالإضافة لناشطات ومؤثرات في الأردن.
« حُر » تحرر الفلسطينيات من « الاحتلال والعنف »
أما في فلسطين، فيبرز دور التكنولوجيا لدعم المرأة بشكل خاص؛ فالاحتلال الإسرائيلي يمنع التنقل بين المدن بسهولة، ويعرقل الحصول على الكثير من الدعم والخدمات المُخصَّصة لمكافحة العنف ضد النساء، كما يوضح أحمد قاضي، ممثل مركز « حملة » بفلسطين قائلاً: « بسبب وجود احتلال وتشرذم جغرافي، أخذنا المسؤولية على عاتقنا قدر الإمكان لحماية النساء من العنف المبني على النوع الاجتماعي… فبادرنا بإطلاق منصة حُر، التي نوثق من خلالها أشكالاً مختلفة من العنف على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة المبني على النوع الاجتماعي ».
ويشير القاضي إلى أن أكثر أشكال العنف الرقمي، التي يرصدها المركز هي: اختراق حسابات، وابتزاز، ونشر صور شخصية، ونشر كلمات عنيفة تستهدف النساء تحديداً.
يتذكر القاضي واحدة من نماذج دعم السيدات، بعد مشاركتهن في إحدى التظاهرات قائلاً: « كان هناك خطف للهواتف، ونشر صور شخصية بهدف ترهيب هؤلاء النسوة، وكان ذلك مؤذياً جداً… عملنا على مدار الساعة، وتمكنا -أولاً بأول- من حذف هذه الصور قبل انتشارها بشكل واسع ».
العراقيات ودرع « أنسم » الرقمي
في العراق، تبرز مؤسسة « أنسم » للحقوق الرقمية، التي تمتلك منصة للمساعدة الرقمية، يمكن من خلالها دعم المتعرضين للعنف من الجنسين، عبر عدة أدوات إلكترونية تتواصل من خلالها الحالات بشكل سريع وآمن عبر الإيميل، وعلى رقم واتس آب، أو سيغنال، كما توضح آسيا عبد الكريم، الباحثة ومنسقة مشاريع بـ « أنسم ».
وترى آسيا أن أكثر التحديات بالنسبة للنساء تتمثل في الابتزاز الرقمي وخطاب الكراهية.
هذه المنصات وغيرها في مختلف الدول العربية، تحاول تغيير واقع تعيشه النساء؛ يتمثل في إلقاء اللوم -في أغلب الأوقات- على ضحايا الابتزاز والعنف الإلكتروني، في حين يبقى الجناة في مأمن من العقاب والمساءلة.
أنجز هذا التقرير بدعم من أريج