نبه تقرير للمرصد المغربي للحماية الاجتماعية إلى وجود ست اختلالات كبرى في سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب، ينتج عنها إقصاء العديد من الأسر المحتاجة، وتحميل الطبقة المتوسطة كلفة الإصلاح مقابل منح امتيازات للطبقات المستفيدة اقتصاديا، فضلا عن صعوبات التمويل والاستدامة، وغيرها من التحديات التي تهدد هذا الورش.
وأول اختلال رصده تقرير المرصد؛ “الاختلال على مستوى المعيارية والملاءمة”، حيث سجل التقرير قصورا وتضييقا للحماية الاجتماعية في التجربة المغربية، فقد اكتفى القانون الإطار بتكريس برامج كانت موجودة مسبقا، كما أن هناك تمييزا واضحا ضد النساء.
وأبرز التقرير أن التصور المغربي للحماية الاجتماعية لا يتضمن التزام الدولة بضمان الحد الأدنى من الدخل للأشخاص في سن العمل، والغير قادرين على كسب دخل كاف، بل عوض ذلك، يتضمن التزاما بتعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار، مما يجعل البطالة والعمل غير القار أو العمل في القطاع غير المنظم خارج منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب.
وثاني الاختلالات التي توقف عليها التقرير؛ “اختلال على مستوى الحكامة والمشاركة”، حيث نبه إلى هشاشة بنية الحكامة في منظومة الحماية الاجتماعية، مع منظومة قانونية مرتبكة، فضلا عن انعدام المشاركة المجتمعية.
ومن جانب آخر، لفت ذات المصدر إلى وجود “اختلالات على مستوى الاستهداف والشمول”، وهو ما يجعل الحالة المغربية تحصر الدعم العمومي ضمن تدابير تقنية وبيروقراطية، مما ينجم عنها تضييق عدد المستفيدين من الحماية الاجتماعية، وتجعل من الاستهداف آلية تهدف إلى التقليص ما أمكن من الموارد الميزانياتية المخصصة لمختلف السياسات والبرامج الاجتماعية.
وقد نتج عن إعمال نظام العتبة وجود وضعيات تمييزية، تكرس الإقصاء في حق فئات عريضة، بسبب عدم حصولها على العتبة المطلوبة، والتي نتج عنها حرمان الأسر الفقيرة التي تعيش في أحياء هامشية أو مناطق قروية من الاستفادة، رغم أنها كانت سابقا مسجلة في نظام “راميد”، بمبرر ارتفاع المؤشر بسبب توفرها على بعض الأجهزة الإلكترونية أو الهواتف النقالة، رغم أن مدخولها الشهري لا يتعدى 1000 درهم، أو غير كاف لتسديد المصاريف والتموين.
وحذر التقرير من أنه وبسبب ضعف مواكبة وتحيين منظومة الاستهداف، يحتمل أن يتحول السجل الاجتماعي الموحد من آلية لتحقيق فعالية الاستهداف إلى آلية لتكريس الإقصاء في حق بعض الفئات الاجتماعية.
ورابع الاختلالا التي تطرق إليها المرصد؛ “اختلالات على مستوى التمويل والاستدامة”، وهو ما يهدد مشروع الحماية الاجتماعية بأكمله، خاصة مع التخوف من قدرة الحكومة على الحفاظ على استدامة المالية العمومية في ظل الالتزامات التي اتخذتها الحكومة والأوراش التي انخرطت فيها في سياق دولي صعب ومطبوع بتوالي الأزمات، فهناك تخوف من صعوبة توفير الاعتمادات المالية الكافية وانخراط والتزام كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية.
أما الاختلال ما قبل الأخير الذي تطرق اليه التقرير فهو المتعلق بـ”الأثر والتضخم”، فالغرض الأساسي لمختلف سياسات الحماية الاجتماعية في العالم هو توفير الرفاهية، وحماية الجميع من مختلف مخاطر وتقلبات الحياة، وفي الحالة المغربية يحدث نقيض هذا الهدف حيث تتحمل الأسر المغربية أكثر من نصف كلفة التغطية الصحية الأساسية عن المرض، بينما يحد التضخم من أثر الدعم الاجتماعي المباشر. كما سياسات للحماية الاجتماعية، تضع الثقل على كاهل الأسرة.
وآخر اختلال توقف عنده التقرير هو المتعلق بـ”السعي للاجتهاد في تنفيذ دفتر تحملات البنك الدولي”, حيث يمكن قراءة تأثير مؤسسات التمويل الدولية على الحماية الاجتماعية في التجربة المغربية من زاوية اطلاق “سياسة تقويم هيكلي مقنع” تقوم على فرضية التفكيك التدريجي لصندوق المقاصة بما يحقق توازن الميزانية، ويؤدي عمليا إلى رفع الدولة للدعم عن المواد والخدمات العمومية، مما يهدد بتعميق الفجوات الاجتماعية، خاصة مع ضعف إعمال التدابير المواكبة للحيلولة دون إضرار هذه الإصلاحات بالقدرة الشرائية للمواطنين.
هذا الأمر، يضيف المرصد، سينتج عنه جعل الطبقة المتوسطة تتحمل عبء الإصلاحات الاجتماعية مما يمس باستقرارها الاقتصادي والاجتماعي، مقابل حماية مصالح الطبقات المستفيدة اقتصاديا بمنحها حوافز اقتصادية في القطاعات الاقتصادية الناشئة مثل القطاع الصحي (المصحات الخاصة / شركات انتاج الادوية…)، وقطاع التأمين، وغيرها.