لا يخفى على أحد من ساكنة فاس ما تعيشه المدينة هذه الأيام من حملات لتحرير الملك العمومي. مشاهد الهدم والردم تطال كل مكان، شارعاً شارعاً، وزنقةً زنقة، على حد تعبير الراحل القذافي. حركة غير مسبوقة في وتيرتها وشدتها، جعلت المنظر العام للمدينة أقرب إلى ما نراه في الدول التي عاشت أو ما زالت تعيش مخلفات الحروب، رغم أن العدو هذه المرة ليس مرئياً بالعين المجردة، ولكنه ينخر في هيكل المجتمع كالسوسة.
فاس اليوم تُشبه فتاةً بلغت من الكِبَر عتياً، لم يُنقذها لا مالها ولا جمالها ولا نسبها. فتاةٌ هرب عنها قطار الحياة، وأصبحت عانساً تجر وراءها خيبة الأمل. كيف لا وهي ابنة القاع والباع، التي لم يطرق بابها أحد، ولم يُسطر لها نجمٌ في سماء الحب والغزل. كانت في أوج رونقها، تحلم بمستقبل متميز وساطع، فهي تملك من المقومات ما يجعلها حلماً لكل فارس وأملاً لكل محب. لكنها استيقظت على واقع مرير من اللامبالاة وعدم الاهتمام، واستكانت لمصيرها راضيةً بحالها، متواريةً عن الأنظار من الخجل والخيبة.
وفجأة، وفي عتمة الليل، جاء الفرج من حيث لا تحتسب. تقدم لخطبتها شابٌ من عائلة مرموقة، يملك من الجاه والعلو ما يجعل الكل يقف له إجلالاً واحتراماً. جاء هذا الشاب يطرق أبواب منزلها، يمنحها وقتاً قصيراً لتحضير نفسها لعرس سيشهده الجميع. ومن هول المفاجأة، استيقظت من سباتها، تنفض عنها غبار الأيام، وتُسابق الزمن لتعيد إليها شيئاً من ألقها الغابر.
استفاقت فاس كإعصار لا يعبأ بما يقتلع في طريقه. تُرمم ما يمكن ترميمه، وتُصلح ما يمكن إصلاحه، في سباق محموم مع الزمن. تحاول هذه الفتاة، التي كانت يوماً جميلة الحي، أن تخفي ما فعل الزمن بها، ولكن يبقى السؤال: كيف وصلت إلى هذا الحال؟ من الذي عبث بجمالها وأحلامها؟ ومن تلك الأيادي الخفية التي تركت بصماتها على مصيرها؟
فاس، عروس الأطلس، ما زالت تحلم بعهد جديد يُعيد إليها ألقها المفقود، ولكن هل يكفي ترميم السطح دون الغوص في العمق؟ هل يكفي العرس دون إصلاح جوهرها؟ الزمن كفيل بالإجابة.
عن موقع: فاس نيوز