ما جرى في سوريا من انهيار سريع لنظام حزب البعث، ووصول هيئة تحرير الشام، المصنفة منظمة إرهابية، إلى الإمساك بالسلطة، والوقائع الجارية والتي ما تزال مفتوحة على المجهول، (ما جرى) يستدعي التفاتة سريعة في المرآة الخلفية لأمتنا حتى نعرف طريق السير وحتى لا نصطدم بمن يسيرون خلفنا وجنبنا، ولن نكون متسرعين في الحكم على أمور هي قيد التشكل، مع متمنياتنا الخالصة للشعب السوري بتحقيق وحدته وطموحاته، لكن قياس الحاضر على الماضي له ما هو يبرره منطقيا، وخصوصا وأن المقدمات سليمة، مثلما وقع في العراق وتونس ومصر وليبيا والسودان وغيرها.
ففي كل بلد كانت هناك قصة لإنتاج الخراب والدمار، وكانت هناك عناوين يتجمع عليه الجمهور من منظور “سيكولوجية الإنسان المقهور” للراحل مصطفى حجازي، لكن لما تنتهي الحكاية يظهر أن العناوين كانت خادعة وأن الأهداف مختلفة تم رسمها في غرف مغلقة، ولما يحقق الفاعل هدفه يترك فئات الشعب تتقاتل.
ويمكن العودة إلى التاريخ القريب والمنظور، وهو العراق الجريح، حيث كان العنوان الكبير هو “نزع أسلحة الدمار الشامل”، وأصبح الخطاب الإعلامي الأمريكي والتابع له في الغرب يردد “أسلحة الدمار الشامل” مثلما يردد المتدينون تسبيحاتهم، حتى تم هضمها جيدا من قبل جمهور عريض، وبعدها كان التدخل الأمريكي. لكن ماذا بعد؟ بلد مخرب عن آخره بلا جيش وبلا سيادة وبلا اقتصاد ومهدد في أي لحظة بحرب مذهبية. وبعد حين تبين أنه لا توجد أسلحة دمار شامل.
وعندما أزهر الربيع العربي صنعوا لتونس ثورة بدأت بالمطالبة بمعاقبة المتسببين في وفاة البوعزيزي حرقا وتمددت حتى أصبحت تحت عنوان “الشعب يريد تغيير النظام” حيث اعترف صانعو هذه الكوميديا أنها خرجت من مطابخ المخابرات الأمريكية ومن مراكز تدريب في أوروبا الشرقية، ورغم أن تونس ليست فيها فوضى مسلحة لكنها قابلة للانفجار.
مصر عاشت نفس السيناريو، وجاؤوا لها بالإخوان حكومها لمدة قصيرة لكن سلوكاتهم أزعجت المصريين، فخرجوا في دورة ثانية من الربيع، ليست بالطبع بريئة لكن لها أسبابها كما للأولى، فتدخل الجيش، لكن الوضع بقي متوترا، ويمكن القول إنه مهما يكن في مصر فقد استطاع الجيش عبر السيسي الحفاظ على مؤسسات الدولة.
في ليبيا كان الوضع أسوأ، وتدخل حلف الناتو للإطاحة بالقذافي، وظهر أن هناك حسابات في السياسة الفرنسية الداخلية سرعت بعملية اغتياله، ولكن هذا الحاكم بأمره كان يوفر للشعب كثيرا من الأمور لم تعد موجودة ولم يحققوا الديمقراطية بل فرطوا حتى في العاصمة.
السودان يعيش حربا عبثية لا يعرف أحد خلفياتها ولا عناوينها إلا الصراع بين شخصيتين عسكريتين قويتين، ووصل عدد الشهداء 200 ألف ناهيك عن الجرحى والمعطوبين وحوالي 9 ملايين نازح.
واستأنف قطار الربيع العربي سيره بالعودة إلى سوريا التي توقف فيها ذات يوم. العنوان الكبير “الثورة ضد الدكتاتور”، والهدف الحقيقي إعادة “ضمس الكارطة” وتوزيع الأوراق ولا يهم أن يدخل الشعب السوري في أتون القتل والاغتيالات والاحتراب بين التنظيماات الإرهابية، وتم لحد الآن اغتيال علماء في الكيمياء والبيولوجيا وتم تدمير سلاح الجيش السوري عن آخره وهدم مقر البحوث العلمية.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن وزير العدل قال إنه توصل برسائل من عائلات مغاربة سوريا قصد تسهيل عودتهم. ونكرر أن المغرب بلد لكل أبنائه لكن بالقانون. لأن الموجودون هناك لم يكونوا مهاجرين للعمل وإنما كانوا ضمن صفوف التنظيماات الإرهابية، ولا يمكن النظر بالعاطفة ولكن بالتداعيات والمآلات، لهذا يبقى الحسم للقضاء والأجهزة المكلفة بمكافحة الإرهاب