اشتدت حدة الخلافات في قطاع النقل بالمغرب بين سائقي سيارات الأجرة التقليدية ومستخدمي السيارات التي تعمل عبر تطبيقات الهواتف الذكية. وأصبحت هذه الأزمة محور جدل واسع في الآونة الأخيرة، حيث تداخلت أسبابها وتعددت مبررات الطرفين، وسط مطالب بتقنين القطاع وإنهاء الفوضى. وتحولت الطرقات إلى ساحة حرب يطارد فيها سائقو سيارات الأجرة ممتهني النقل عبر التطبيقات الذكية، حيث تم تسجيل حوادث مكتررة للاعتداء على أصحاب هذا النوع من النقل في استعمال فج لمنطق “شرع اليد”، وفي خرق واضح وسافر للقوانين.
وكانت عدد من طرقات وشوراع المملكة، مسرحا لعدد من الوقائع وضمنها حادثة الاعتداء على دبلوماسي روسي بالدار البيضاء خلال الشهر الماضي. وأمس الخميس انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق لحظة مهاجمة ثلاث سيارات أجرة صغيرة في العاصمة الرباط لإحدى السيارات التي يعمل سائقها عبر تطبيق ذكي. وأثار المقطع استنكارًا واسعًا بسبب خطورة المطاردة التي هددت سلامة مستعملي الطريق.
في هذا السياق، أوضح الأمين العام للنقابة الديمقراطية للنقل، سمير فرابي، أن الاعتداءات التي يتعرض لها سائقو سيارات النقل عبر التطبيقات تأتي غالبًا من بعض سائقي سيارات الأجرة غير المنخرطين نقابيًا، مما يسهم في خلق فوضى على الطرقات. وأكد أهمية الالتزام بالقوانين والمساطر القانونية لحل النزاعات، بدلًا من اللجوء إلى العنف أو الطرق غير القانونية.
وأشار فرابي، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن قطاع سيارات الأجرة يعاني من غياب الهيكلة، بينما يفتقر النقل عبر التطبيقات إلى التقنين. وأكد ضرورة تعديل القوانين المنظمة للنقل، معتبرًا أنه من المخجل استمرار هذا الوضع مع اقتراب استضافة المغرب لتظاهرات عالمية، ما يجعل تنظيم القطاع مسألة ملحة لتحسين صورته الدولية.
وشدد فرابي على أن تنظيم القطاع من خلال تقديم مقترحات للجهات المعنية ووضع إطار قانوني لتقنين النقل عبر التطبيقات يمكن أن يوفر فرص عمل للشباب العاطلين ويقلل نسبة البطالة التي تعرف وضعًا استثنائيًا، بالإضافة إلى جذب استثمارات داخلية وخارجية.
ودعا فرابي وزير النقل إلى التحرك الجاد لحل هذه الأزمة من خلال الحوار مع النقابات المعنية، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تمثل رغبة المواطنين الذين أصبحوا يعتمدون بشكل كبير على النقل عبر التطبيقات الذكية ويفضلونه لما يتيحه من راحة.
من جهته، قال المسؤول بالنقابة الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، صديق بوجعرة، في تصريح سابق للجريدة، إن السائقين مستخدمي التطبيقات، وفقًا للمادة 2 من الظهير 1.63.260 بشأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق، هم في وضعية غير قانونية. وأوضح أنه في مثل هذه الحالات يتعين اللجوء إلى الوسائل القانونية المعمول بها لحظر هذه الفئة لما تشكله من خطر على سائقي سيارات الأجرة.
من جهة أخرى، يرى أحد مسؤولي الجمعية المغربية للمقاولين الذاتيين للنقل، التي يمثلها مستخدمو التطبيقات، أن السلطات تتعامل بحياد إيجابي مع هذه الفئة، لكونها تعلم بوجودها وعدد المشتغلين بها، ولا تبدي أي رد فعل يفيد بأن الأمر غير قانوني. واعتبر أن المسألة لا تتعلق بالنقل السري، ما دام الجميع على علم بوجود هذه الخدمات واستخدامها علنًا.
وأضاف المسؤول بالجمعية، في تصريح سابق لجريدة “العمق”، أن عددًا كبيرًا من السائقين مستخدمي التطبيقات اقتنوا سيارات عملهم عبر آلية المقاول الذاتي، وحددوا طبيعة نشاطهم في بطاقاتهم بأنها “النقل الحضري”، معتبرًا ذلك إشارة كافية للترخيص لهم بالنقل.
وأوضح أن سائقي سيارات الأجرة يلجؤون أحيانًا للاتصال بأحد مستخدمي التطبيقات لاستدراجه إلى نقطة تجمعهم، ثم إحراج رجال الأمن للتعامل معه على أنه يمارس النقل السري. وهو ما يدفع الأمن إلى حجز سيارة النقل وسحب رخصة السائق لفترة معينة مع فرض غرامة تختلف قيمتها حسب المدينة.
واعتبر المسؤول أن نظام المأذونيات ووجود جماعات تستفيد من الوضع الحالي يشكلان عائقًا أمام إعداد قانون شامل ينظم المهنة ويراعي مستجدات العصر. وأضاف: “يتعين على الدولة اتخاذ موقف شجاع وصياغة هذا القانون المنشود، فبدونه لن يكون للقطاع مستقبل واضح”.