برنامج احتجاجي مُكثف ذلك الذي لم تتأخر الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين في تسطيره ردا على مُصادقة المجلس الحكومي الأخير على مشروع قانون تنظيم المهنة الذي جاء “مخيّبا” لانتظارات المهنيين، بعد تضمُنه العديد من المقتضيات التي “تمسّ باستقلالية المهنة”، وتمثل “تراجعات خطيرة تجانب المقاربة التشاركية”، مُبرزة أن “اختيار التصعيد أو تجميد هذا البرنامج سيحتكم إلى مخرجات الاجتماع المرتقب بين المكتب التنفيذي للهيئة ووزير العدل لتقديم مقترحاته بشأن المشروع قبل إحالته على البرلمان، وهو الاجتماع الذي كان مقررا الإثنين، قبل أن تؤجله الوزارة إلى إشعار آخر”.
وقالت الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين إنها قرّرت، بناء على “مُخالفة القانون رقم 46.21 المتعلق بتنظيم مهنة المفوضين القضائيين، ومشروع تعديل قانون المسطرة المدنية، للحد الأدنى من انتظارات المفوضين القضائيين، خصوصا تنزيل توصيات الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، وبالنظر خصوصا لما تضمنه مشروع تنظيم المهنة من إضافات وتراجعات خطيرة تعكس النظرة الأحادية وتجانب المقاربة التشاركية”، (قرّرت) خوض “إضراب وطني إنذاري لمدة اسبوع كامل ابتداء من 14 إلى 19 أكتوبر 2024”.
وأضافت الهيئة ذاتها، في بلاغ عقب انعقاد اجتماع استثنائي لجمعيتها العامة، السبت، أنها قرّرت أيضا “تعليق التبليغ في المادة الجنحية ابتداء من 21 أكتوبر 2024 إلى أجل يحدده المكتب التنفيذي لاحقا، وتعليق إنجاز الإجراءات في المادة التجارية ابتداء من يوم الإثنين 21 أكتوبر 2024 إلى 04 نونبر 2024”.
وسيخوض المفوضون القضائيون، وفق البلاغ الذي تتوفّر هسبريس على نُسخة منه، “وقفة وطنية احتجاجية أمام مقر وزارة العدل يوم 21 أكتوبر 2024 ابتداء من الساعة الحادية عشرة صباحا إلى الساعة الواحدة بعد الزوال”.
وفوّضت الجمعية العامة للمكتب التنفيذي للهيئة صلاحية “اتخاذ القرارات الملائمة على ضوء ما ستؤول إليه نتيجة الحوار مع وزارة العدل، واعتباره في حالة اجتماع مفتوح”، وفق للمصدر ذاته.
وقال مفوضون قضائيون، في حديثهم لجريدة هسبريس الإلكترونية إن “التراجع عن التصعيد الذي قررته الهيئة لن يتمّ حتى توقيع محضر اتفاق رسمي جديد يسمح بحذف جميع المقتضيات التي تمسّ باستقلالية المهنة من مشروع القانون الحالي، وإعادة تلك التي كان متوافقا عليها بين الهيئة والوزارة بموجب محضر اتفاق 26 أبريل 2022″، مُوضّحين أن “الهيئة كانت تعتزم تسطير خطوات تصعيدية أكثر لولا ورود مؤشرات على انفتاح حكومي إيجابي على مقترحاتها تمثلت في تأكيد بلاغ المجلس الحكومي على أخذ المصادقة على مشروع القانون ‘الملاحظات المثارة’ ودعوة الوزارة الوصيّة للهيئة للاجتماع”.
“في انتظار مخرجات الحوار”
في هذا الإطار قال محمود أبو الحقوق، رئيس الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، إن “اتخاذ هذه الخطوات النضالية جرى بعدما كان هناك إجماع بين مختلف أعضاء الجمعية العامة على ضرورة التصعيد والانتفاض ضدّ المقتضيات الخطيرة التي حملها مشروع القانون المنظم للمهنة، التي تتربّص باستقلاليتهم المهنية وتتراجع عن حصرية جميع الاختصاصات المتعلقة بتبليغ وتنفيذ الأحكام القضائية للمفوّضين القضائيين”، مضيفا أن “المشروع بإلزامه الهيئة على تبليغ مقرراتها إلى الوكيل العام للملك بالرباط أو وزارة العدل جعل المفوّضين القضائيين يتساءلون باستنكار عن الجهة التي ينتمون إليها: أهي السلطة القضائية أو السلطة التنفيذية؟”.
وأضاف أبو الحقوق في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “الحكومة صادقت للأسف على مشروع القانون المنظّم للمهنة، رغم كوننا ناشدنا رئيسها عزيز أخنوش إرجاء البت فيه حتى التوافق على النقاط الخلافية”، مُستدركا بأنه “مع ذلك كانت هناك مؤشرات على كون الحكومة تأخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار، هو ما تكرّس من خلال دعوة وزير العدل لنا إلى اجتماع كان مقررا هذا الإثنين على الساعة الثالثة بعد الزوال، قبل أن يتمّ إشعارنا من جانب الوزارة بتأجيله دون تقديم أي أسباب واضحة”.
وتابع المتحدّث ذاته :”الهيئة تعتزم خلال هذا الاجتماع المؤجل بسط مقترحاتها وتعديلاتها قبل إحالة المشروع على الغرفة الأولى للبرلمان من أجل المصادقة”، موُضحا أن “مكتبها التنفيذي الذي فوّضت له الصلاحية في اتخاذ القرارت المناسبة قد يقوم بالتراجع عن كافة الخطوات النضالية المسطّرة في حال كان الحوار جديا وأفضى إلى توقيع محضر رسمي بينه وبين الوزارة، تتعهّد فيه الأخيرة بالالتزام بكل البنود المتوافق عليها سابقا في محضر اتفاق 26 أبريل 2022”.
“ضرورة الحسم”
من جانبه أكدّ رضوان بنهمو، الكاتب العام للهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، أن “الهيئة وجدت نفسها مُكرهة ومضطرة إلى اتخاذ القرارات سالفة الذكر التي تمسّ بحقوق المتقاضين المغاربة ومصالحم، بعدما جرت المصادقة على هذا المشروع الذي تنطوي مقتضياته على ردة حقوقية وطابع تحكمي يتنافي مع المكتسبات الحقوقية للمغرب”، مُستغربا “التضييق على المفوضين القضائيين بالمغرب الذي ظلّ نموذجا إفريقيا في تقدّم التشريع، في وقت أقرّت موريتانيا أخيرا قانونا لتنظيم مهنة العدول المهنيين (المفوضون القضائيون) يمتح من التجربة الأوروبية ويضمن لهم مكاسب كبيرة”.
وذكر بنهمو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مطالب المفوضين القضائيين تهمّ أساسا التراجع عن المقتضيات التشريعية التي تمسّ باستقلاليتهم واستقلالية هيئاتهم التنظيمية والحفاظ على حصرية الاختصاصات المتعلقة بالتنفيذ والتبليغ لهم؛ وهي مطالب تتطلّب إرادة سياسية فقط، ولن تكلّف الاستجابة لها أي موارد مالية”، مناشدا بدوره “وزارة العدل التجاوب مع هذه المطالب وأخذها بعين الاعتبار قبل مصادقة البرلمان على مشروع القانون بصيغته الحالية”.
وأضاف المتحدّث ذاته أن “الإشكال في هذا المشروع أنه يكشف ترددا لدى الوزارة في الحسم ما إذا كان يجب الإبقاء على المفوضين القضائيين كمهنة أو العمل بنظام الموظفين العموميين، وهو ما تجلى أيضا في مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تنص المادة 476 منه على أن التنفيذ يتمّ بواسطة المفوضين القضائيين أو كتابة الضبط”، مُردفا بأن “المفوضين القضائيين لا يعارضون العمل بنظام الموظفين العموميين إن كان يضمن إصلاح النظام القضائي شريطة الحسم من الآن”.