قال جمال بلخضر، الكاتب والباحث المغربي، إن كتاب الراحل أحمد حرزني “الماركسية والأديان والواقع المعاصر.. مذكرات السجن”، يتجاوز كونه شهادة شخصية على تجربة السجن ليصبح أطروحة فكرية تتناول قضايا جوهرية حول الماركسية والدين والعدالة الاجتماعية. جاءت تصريحاته خلال مداخلة ألقتها نيابة عنه الباحثة حليمة الزهري في ندوة فكرية عُقدت يوم الخميس 14 دجنبر الحالي في الرباط، خُصصت لتقديم الكتاب.
وأضاف بلخضر، خلال الندوة التي نظمتها مؤسسة الربوة للثقافة والفكر، أن أحمد حرزني في كتابه طرح تساؤلات جريئة حول قدرة الفكر الماركسي على التكيف مع الواقع المغربي والإسلامي، مشيرًا إلى أن الكتاب يقدم تحليلًا نقديًا للتجربة اليسارية في المغرب خلال سنوات الرصاص. وقال: “هذا الكتاب ليس مجرد تأريخ لمعاناة السجن، بل هو محاولة لإعادة النظر في الأسس النظرية للمشروع الماركسي”.
وأشار إلى أن حرزني في القسم الأول من الكتاب قدّم نقدًا منهجيًا للفكر الماركسي، مستعرضًا التعديلات التي أدخلها لينين وماو لتكييف النظرية الماركسية مع ظروف مجتمعاتهم، مضيفًا أن حرزني يرى أن هذه التعديلات لم تكن كافية لتجاوز التحديات التي يفرضها الواقع المغربي. وتابع: “الكتاب يتناول أيضًا التأملات الفلسفية حول العلاقة بين الدين والمادية العلمية، حيث اعتبر حرزني أن الدين يمكن أن يلعب دورًا في تعزيز القيم الأخلاقية اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية”.
وتتضمن هذه المذكرات أفكارًا وتأملات ودراسات كتبها أحمد حرزني خلال 12 عامًا قضاها خلف قضبان السجن، إثر اعتقاله بتهمة قيادة منظمة “لنخدم الشعب”، التي كانت تُعد إحدى أبرز الحركات المعارضة الجذرية خلال “سنوات الرصاص”. لاحقًا، أصبح حرزني من أبرز الشخصيات الفاعلة في مسار “الإنصاف والمصالحة” مع بداية الألفية الثالثة، حيث تولى رئاسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى جانب تحمل مسؤوليات علمية وحقوقية أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن بلخضر كان رفيق حرزني في السجن المركزي بالقنيطرة، على خلفية القضية السياسية ذاتها.
وأبرز الصيدلي والباحث في علم النباتات، جمال بلخضر، أن تجربة السجن التي جمعته بأحمد حرزني وعدد من المعتقلين السياسيين كانت بمثابة “مختبر فكري” أو مدرسة تعليمية حقيقية، مشيرًا إلى أن السجن، برغم قسوته، أتاح للمعتقلين فرصة للتأمل وإعادة التفكير في قناعاتهم الأيديولوجية. وقال: “ظهرت رسومات ذاتية، وروايات، وقصص قصيرة، ومسرحيات، ومجموعات شعرية، مكونة أدبًا سجنيًا مغربيًا حقيقيًا يروي المعاناة التي تم خوضها خلال سنوات البياض”، في إشارة إلى أن الأدب السجني الذي نشأ من تجربة السجن خلال سنوات السبعينات والثمانينات أصبح جزءًا من التراث الثقافي المغربي.
وتطرق بلخضر إلى الإخفاقات التي واجهتها الحركات الماركسية على الصعيد العالمي، لافتًا إلى أن حرزني قدّم في كتابه تحليلًا دقيقًا لهذه الإشكاليات. وقال: “يرى حرزني أن التنظيمات اليسارية غالبًا ما تتحول إلى هياكل جامدة تعيق الابتكار والتجديد بسبب ظهور النخب البيروقراطية”. وأضاف: “حرزني قدّم حلولًا لهذه الإشكاليات، منها ضرورة تداول السلطة داخل التنظيمات واعتماد الشفافية والمساءلة كأدوات لتجنب تكرار أخطاء الماضي”.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والماركسية، أكد بلخضر أن حرزني قدّم قراءة جديدة لهذه العلاقة. وقال: “الدين ليس بالضرورة نقيضًا للمادية العلمية، بل يمكن أن يكون مصدرًا للقيم التي تعزز النضال الاجتماعي”. وأوضح أن الكاتب ناقش التحديات التي تواجه الحركات اليسارية في التعامل مع الدين، مشددًا على أهمية فتح حوار بناء حول هذه القضايا بدل تجاهلها أو التصادم معها.
وشدد بلخضر على أن الكتاب لا يقدم أجوبة نهائية، بل يفتح الباب أمام نقاشات عميقة حول مستقبل الفكر اليساري في المغرب والعالم العربي. وأضاف: “حرزني دعا في كتابه إلى مراجعة شاملة للأفكار والممارسات التي اعتمدتها الحركات اليسارية، مؤكدًا أن فهم الواقع المحلي يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأي مشروع تغييري”. وقال: “هذه المراجعات ليست مجرد ترف فكري، بل ضرورة لمواجهة التحديات الراهنة”.
واختتم بلخضر مداخلته بالتأكيد على أن كتاب أحمد حرزني “مذكرات السجن” ليس مجرد تأريخ لتجربة شخصية، بل هو إسهام فكري يعكس عمق التجربة اليسارية في المغرب. وقال: “الكتاب يدعو الباحثين والناشطين إلى دراسة جادة واستخلاص الدروس منه، حيث يقدم مادة غنية للتأمل في القضايا الكبرى التي شغلت اليسار المغربي والعربي لعقود”.
وأضاف أن تجربة حرزني الفكرية والسياسية تلقي بظلالها على النقاشات الحالية حول دور اليسار ومستقبله في ظل التحديات المحلية والإقليمية. وقال بلخضر: “من خلال هذه المداخلة، أردت أن أُبرز الجوانب المتعددة لهذا الكتاب، الذي يمثل مرجعًا فكريًا وتاريخيًا يساهم في إعادة صياغة النقاش حول اليسار في المغرب”.