هبة بريس – متابعة
ثمة حالة إحباط واستياء ما فتئ الآباء والأمهات والساكنة، بتراب جماعة لبخاتي، الخاضعة لدائرة عبدة، بنفوذ إقليم آسفي، يعيشون على إيقاعها ووقعها، مع كل دخول مدرسي، جراء حرمانهم، منذ أزيد عن 20 عام، من ثانوية–تأهيلية؛ هذه المؤسسة التعليمية التي من شأنها أن توفر لفلذات أكبادهم، المتمدرسين، إناثا وذكورا، ظرف وشروط الدراسة والتعليم المواتية، وتفتح لهم، على غرار المحظوظين من أقرانهم، في مختلف جهات وأقاليم الوطن، أبواب الالتحاق بالتعليم العالي، وبالمدارس والمعاهد العليا، وآفاق الولوج إلى سوق الشغل.
إقصاء وتهميش.. وحرمان
في ظل الافتقار الصارخ لمؤهلات التنمية الاقتصادية والبشرية، فإن جماعة لبخاتي تحظى، بشكل متناقض ومثير، بالشروط والظروف التي كانت، من المفترض والمفروض، أن تساهم، منذ أمد بعيد، في خلق ثانوية–تأهيلية بترابها؛ حيث إن هذه الجماعة القروية يبلغ تعداد ساكنتها برسم الإحصاء العام للسكان والسكنى (RGPH) لسنة 2014، ما مجموعه: ، ب14323 نسمة، موزعين في منطقة جغرافية شاسعة، مساحتها: 30000 كيلومتر مربع، على 44 دوار وتجمع سكني، و15 دائرة انتخابية.
هذا، ووفق المعطيات الرقمية التي حصلت عليها الجريدة، فإن الثانوية –الإعدادية “ابن زيدون’، الكائنة بمركز جماعة لبخاتي، والتي تتشكل من 15 حجرة للتدريس، كانت فتحت أبوبها برسم الموسم الدراسي: 1999 – 2000؛ وهي تستقبل سنويا التلميذات والتلاميذ، الوافدين من الروافد بالجماعة ذاتها، من المدرسة المركزية “لبخاتي”، ومن 4 مجموعات مدرسية، و15 فرعية تابعة لها؛ هذه الوحدات المدرسية التي يبلغ حاليا عدد المتمدرسين فيها بالمستوى السادس: 316 تلميذة وتلميذا.
وحسب الخريطة المدرسية، فقد استقبلت إعدادية “ابن زيدون’، برسم الموسم الدراسي الجاري (2024 – 2025): 900 تلميذا، ضمنهم 450 تلميذة، 38 تلميذة منهن يقمن في داخلية المؤسسة التربوية، التي لا تتعدى طاقتها الاستيعابية: 130 سريرا.
في غياب البديل.. فرض الأمر الواقع
بعد أن يكونوا اجتازوا بنجاح الامتحان الإشهادي للمستوى التاسع، يلتحق التلاميذ من الجنسين، مباشرة بأقرب ثانوية–تأهيلية في دائرة عبدة، وهي الثانوية–التأهيلية “مولاي رشيد”، بجمعة سحيم، التي تبعد عن مركز لبخاتي ب26 كيلومترا، مرورا عبر الطريق الإقليمية رقم: 2302، والطريق الوطنية رقم: 1.
وبالمناسبة، فإن الالتحاق الاضطراري، أو بالأحرى “الإجباري” بهذه الثانوية–التأهيلية، في ظل غياب أي اختيار أو بديل، قد ظل قائما منذ السنوات الثلاثة، أو المواسم الدراسية الثلاثة، التي عقبت فتح الثانوية–الإعدادية “ابن زيدون” أبوابها، أواخر تسعينيات القرن الماضي، لاستقبال تلميذات وتلاميذ الجماعة الترابية لبخاتي، أي ما يزيد عن 20 عام. وضع متأزم جعل المتمدرسين ومعهم الآباء والأمهات، يعانون من ظروف الدراسة الصعبة، بعيدا عن أسرهم وبيوتهم، في ظل الهشاشة والتهميش الذي تتخبط في مستنقعه الجماعة الترابية، التي لم يتعد نصيبها “الفتات” من “التنمية”، بمختلف مسمياتها وتجلياتها.
يحدث هذا “في مغرب الألفية الثالثة”
“واقع مرير” من المعاناة بجماعة لبخاتي، في “مغرب 68 سنة بعد الاستقلال”، “مغرب 68 سنة بعد الاستعمار”، جراء الإقصاء من “التنمية”، التي خصصت لها “مبادرة وطنية”، أطفأت، شهر ماي 2024، شمعتها التاسعة عشرة. “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” (INDH)، التي نشأت وترعرعت، وقطعت، في ظل تعاقب 5 حكومات مغربية، مراحلها الثلاثة: المرحلة الأولى (2005 – 2010)، والمرحلة الثانية (2011 – 2015)، والمرحلة الثالثة (2019 – 2023)، والتي كان من غاياتها وأهدافها تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، عبر تبني منهج تنظيمي خاص، قوامه الاندماج والمشاركة.
*صعوبات وتحديات جمة
إن من يكونون قد “حالفهم الحظ” من المتمدرسين من أبناء جماعة لبخاتي، إناثا وذكورا، بعد أن اجتازوا بنجاح الامتحان الإشهادي لمستوى التاسعة، وأبدوا عزما وتشبثا لمتابعة الدراسة ما بعد “الإعدادي”، قد يجدون أنفسهم أمام صعوبات وتحديات، بسبب الفقر والهشاشة، وشساعة المنطقة التي يتحدرون منها، وبعدها عن الثانوية–التأهيلية “مولاي رشيد” بجمعة سحيم، والتي تستقبل بالمناسبة التلاميذ من الجماعات الترابية، الخاضعة لنفوذ دائرة عبدة؛ ناهيك عن محدودية الأسرة بالداخلية، التابعة لها.. يضطرون للتكدس داخل غرف مستقلة، في بيوت يكترونها، وما يلزم ذلك من مصاريف إضافية (واجب الكراء – مستحقات الماء والكهرباء ..)، تثقل كاهل أسرهم الفقيرة أصلا. إكراهات تعيق مسارهم الدراسي، وتزعزع استقرارهم النفسي، وتركيزهم على التحصيل وتحقيق النتائج المرضية، وأحيانا ما تكون سببا مباشرا في الانقطاع المبكر عن الدراسة، “الهدر المدرسي” (la déperdition scolaire)، سيما لدى الفتيات، اللواتي قد يجدن صعوبة في العيش والتأقلم بعيدا عن أسرهم، وخاصة في مرحلة حساسة من العمر، مرحلة المراهقة.
عندما يختار المواطنون “ممثلا وصوتا قويين”
إذا كان التعليم يعتبر “حقا من حقوق الإنسان”، وليس “امتيازا”، تلزم الدولة بحمايته للجميع، واحترامه وإعماله.. فإن ذلك قد يكاد لا ينطبق أو يتطابق مع “الوضع” في منطقة عبدة؛ حيث إن من المفارقات كون جماعة لبخاتي، ورغم ما أثير، تجد نفسها ومعها الآباء والأمهات وفلذات أكبادهم المتمدرسون، محرومين من “ثانوية–تأهيلية، طال انتظارها منذ أزيد من عقدين. هذا في الوقت، الذي حظيت فيه جماعة لحضار ببرمجة مشروع ثانوية–تأهيلية، اختير لها اسم “أبوبكر الصديق”، علما أن هذه الجماعة القروية أقل من جماعة لبخاتي، التي تبعد عنها بحوالي 12 كيلومتر، سواء من حيث الشساعة الترابية، أو من حيث الدواوير والتجمعات السكنية، أو من حيث التعداد السكاني.. كما أن هذه الجماعة (لحضار) التي تتوفر على أسطول حافلات للنقل المدرسي، لا تبعد عن جمعة سحيم إلا بأقل من 13 كيلومتر.
وبالمناسبة، فإن الفضل في برمجة مشروع الثانوية–التأهيلية “أبوبكر الصديق”، يعود، حسب الشهادات والارتسامات التي استقتها الجريدة، إلى توفر جماعة لحضار على نائب برلماني، حاضر بقوة؛ هذا النائب الذي منحته الساكنة صوتها وثقتها، والذي لم يخلف العهد والوعد، بتمثيلها أحسن تمثيل تحت قبة البرلمان.
التعليم..”القضية الوطنية الثانية”
مصداقا لقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين}، يتعين، من باب التنبيه والتذكير، على الساهرين على تنفيذ السياسات والاستراتيجيات العمومية، و”من يهمهم الأمر”، استحضار التوجيهات ومضامين الخطابات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من المنظومة التربوية “القضية الوطنية الثانية”، بعد الوحدة الترابية، والاطلاع، لكل غاية مفيدة، على مقتضيات دستور المملكة، وعلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية ذات الصلة، وكذا، الرجوع والوقوف بتأن عند الغايات التي جاءت بها ومن أجلها “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، التي تكون أطفأت، شهر ماي 2024، شمعتها التاسعة عشرة.
خلق ثانوية–تأهيلية.. ضرورة ملحة
إن إحداث ثانوية–تأهيلية بمركز جماعة لبخاتي، بات ضرورة ملحة، يجب، حتى لا يبقى حلما ورديا و سرابا،أو سرابا صعب المنال، التسريع بإخراجه للوجود، وترجمته بالواضح والملموس على أرض الواقع.. تكريسا للشعارات والخطابات التي ما فتئت الوزارة الوصية على قطاع التعليم، ترفعها بمناسبة كل دخول مدرسي، او إصلاح الإصلاحات؛ إذ يتعين أن لا يطال أو يشوب تحقيق هذا المشروع “التسويف”، بإدراجه على المدى البعيد، في المخططات والاستراتيجيات، التي تعد بخلق ثانوية–تأهيلية بتراب كل جماعة ترابية (قروية).
ثمة “حل”.. حبدا لو حضرت الإرادة
لقد كان لرئيس جماعة لبخاتي، المنتخب منذ أقل من سنتين، لقاء مع شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية، في مكاتبه بالرباط، حيث سلمه ملتمسا بخلق ثانوية–تأهيلية بمركز لبخاتي.. سيما أن ثمة قطعة أرضية، ضمن الملك الجماعي، لصيقة بالثانوية–الإعدادية “ابن زيدون”، مساحتها تزيد عن 2000 متر مربع؛ حيث إن هذا العقار المملوك للجماعة، كان موضوع زيارة تفقدية أجراها الرئيس الجماعي، بمعية المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية لآسفي، تزامنا مع الدخول المدرسي، برسم الموسم الدراسي: 2024 – 2025.
للإشارة، فإن مشروع خلق الثانوية–التأهيلية “أبو بكر الصديق”، الذي رصدت لإنجازه الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش–آسفي، غلافا ماليا، والذي يكون بالمناسبة قد اطلع عليه عامل إقليم آسفي، خلال العرض المدرسي، الذي قدم له، قد اصطدم بتعرض “الشرفاء”، مالكي العقار الذي كان من المقرر أن ترى هذه المؤسسة التربوية النور على أرضيته. ما يعني أن إنجاز المشروع قد توقف إلى أجل غير مسمى؛ أجل قد يطول، حسب طبيعة النزاع، سيما إذا وصل هذا النزاع، في حالة عدم تصفيته وتسويته بالتراضي، إلى مرحلة التقاضي، ومن ثمة، إلى ردهات المحاكم بدرجاتها الثلاثة. حيث إن هذا “الوضع المتأزم” بات يحتم على الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة التربية الوطنية، والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش–آسفي، والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية لآسفي، والسلطة العاملية، ممثلة في عامل الإقليم، والجماعة الترابية لبخاتي، التدخل بشكل استعجالي، مركزيا، جهويا، إقليميا، ومحليا، بغية مباشرة الإجراءات المسطرية والقانونية، من أجل تحويل هذا المشروع، إلى تراب جماعة لبخاتي، خدمة للصالح العام، صالح رعايا صاحب الجلالة.