في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة، لا تزال حوادث الشغل تؤرق آلاف العمال، مسلطةً الضوء على التحديات المستمرة في ضمان بيئة عمل آمنة تحمي حقوقهم.
فبين الإجراءات القانونية والتدابير الرقابية، يبقى السؤال الأهم: هل تكفي القوانين الحالية لحماية الأجراء من المخاطر المهنية وتأمين حقوقهم الاجتماعية؟
وكشف تقرير النيابة العامة السنوي السابع معطيات صادمة حول عدد القضايا المسجلة، مسلطًا الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز الرقابة وتفعيل آليات الإنصاف العادل
وقدمت رئاسة النيابة العامة تقريرها السنوي السابع الذي استعرض الجهود المبذولة لتعزيز الحماية الاجتماعية في مجال الشغل، كاشفًا عن أرقام ومعطيات تعكس التطورات الحاصلة والتحديات المستمرة في هذا القطاع الحيوي.
التقرير يسلط الضوء على التدخلات القانونية والإجراءات الرقابية التي اتخذتها النيابة العامة لضمان الامتثال للقوانين المتعلقة بحقوق العمال، كما يرصد الإحصائيات المرتبطة بالقضايا الاجتماعية المطروحة أمام المحاكم المغربية.
وأبرز التقرير الدور الفعال للنيابة العامة في تنفيذ الالتزامات القانونية للمملكة في مجال الحماية الاجتماعية، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الشغل والإدماج المهني، بهدف تعزيز التنسيق والتكامل بين المؤسستين لضمان حماية العمال وتطبيق التشريعات الجاري بها العمل.
كما أصدرت النيابة العامة دورية تهم تفعيل التدخل القضائي في هذا المجال، مؤكدة على أهمية المتابعة الصارمة للالتزامات القانونية لأطراف علاقة الشغل، والتفاعل الإيجابي مع مختلف القضايا المطروحة أمام المحاكم.
في إطار تفعيل الحماية الاجتماعية، عملت النيابات العامة المحلية واللجان الجهوية والعلمية المشتركة على عقد اجتماعات مكثفة لمناقشة مختلف القضايا المطروحة.
وقد بلغ عدد الاجتماعات التي عقدتها هذه اللجان خلال سنة 2023 حوالي 167 اجتماعًا، توزعت بين اللجان الجهوية بمحاكم الاستئناف التي عقدت 39 اجتماعًا، واللجان المحلية بالمحاكم الابتدائية التي بلغ عدد اجتماعاتها 128 اجتماعًا.
أما من حيث التقارير الصادرة عن النيابات العامة، فقد بلغ عددها الإجمالي 174 تقريرًا، موزعة بين محاكم الاستئناف (137 تقريرًا) والمحاكم الابتدائية (37 تقريرًا).
الإحصائيات الواردة في التقرير تعكس كذلك حجم القضايا المتعلقة بالحماية الاجتماعية التي عرضت على القضاء خلال سنة 2023، حيث بلغ عدد الملفات المسجلة في هذا الإطار 38,381 ملفًا، منها 29,515 ملفًا معروضًا على المحاكم الابتدائية، و8,866 ملفًا لدى محاكم الاستئناف.
وتشمل هذه القضايا نزاعات الشغل، وحوادث الشغل، والأمراض المهنية، والتعويضات العائلية، حيث شكلت نزاعات الشغل النسبة الأكبر بـ 18,478 ملفًا، تليها حوادث الشغل بـ 15,340 ملفًا، ثم الأمراض المهنية بـ 4,477 ملفًا، فيما سجلت القضايا المتعلقة بالتعويضات العائلية 86 ملفًا فقط.
من جهة أخرى، كشف التقرير عن الجهود المبذولة لمحاربة تشغيل الأطفال وحمايتهم من الاستغلال، إذ سجلت النيابة العامة خلال سنة 2023 ما مجموعه 16 قضية ذات طابع جزائي تتعلق بمخالفات قانون الشغل المرتبطة بتشغيل الأطفال دون سن 15 سنة، حيث تمت متابعة 16 شخصًا في هذا الإطار، 15 منهم في حالة سراح، وواحد في حالة اعتقال.
وتشمل الجرائم المسجلة تشغيل الأطفال في المقاولات قبل بلوغهم السن القانونية، ومنع تفتيش أي طفل في الحضن العائلي دون إذن مسبق، بالإضافة إلى تشغيل الأطفال دون عقود ولادة أو بطائق تعريف وطنية.
وشددت النيابة العامة في تقريرها على التزامها بالمشاركة في الجهود الوطنية والدولية لمكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال، وذلك من خلال تنزيل السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، والانخراط في التحالف الدولي لتحقيق الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة، والذي يدعو إلى اتخاذ تدابير عاجلة للقضاء على هذه الظاهرة بحلول سنة 2030.
كما شاركت في الندوة الوطنية التحضيرية لإعداد خطة عمل وطنية لمكافحة تشغيل الأطفال، إلى جانب مساهمتها في إصدار دليل عملي مشترك حول تطبيق مقتضيات قانون الشغل المتعلقة بحماية العمال والحد من استغلالهم.
ويعكس التقرير السنوي السابع لرئاسة النيابة العامة بوضوح الدور المتزايد الذي تضطلع به هذه المؤسسة في تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان احترام حقوق العمال، وذلك من خلال تتبع القضايا المطروحة أمام المحاكم، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان تطبيق التشريعات الجاري بها العمل.
ومع استمرار التحديات المرتبطة بعالم الشغل، يبدو أن النيابة العامة عازمة على تكثيف جهودها لمواكبة الإصلاحات القانونية وتعزيز الحماية الاجتماعية لفائدة كافة الفئات العمالية بالمملكة.