بعض الخطابات الدينية التقليدية في المغرب تنظر إلى التاريخ من منظور ضيق، حيث ترفض أي اكتشافات أثرية قد تتعارض مع تفسيراتها الخاصة.
كما أن بعض التيارات السياسية تفضل التركيز على أمجاد معينة في التاريخ على حساب الفترات الأقدم، مما يخلق نوعًا من الانتقائية في.
*يوسف بوكبوط
يبدو للوهلة الأولى أن أي أمة ستفرح باكتشافات أثرية تؤكد قدم حضارتها وسبقها في مجالات معينة، لكن في الحالة المغربية، يلاحظ أن بعض المغاربة لا يتفاعلون مع هذه الاكتشافات بنفس الفخر والحماس الذي تبديه شعوب أخرى.
بل إن هناك من يشكك فيها أو يتعامل معها ببرود، رغم أنها منشورة في مجلات علمية مرموقة وشارك فيها خبراء مغاربة وأجانب. لماذا يحدث هذا؟ وما الذي يدفع البعض إلى رفض أو التقليل من أهمية هذه الاكتشافات؟.
عانى المغرب، مثل دول أخرى، من تأثير الاستعمار الذي رسّخ فكرة تفوق الحضارات الأخرى مقابل تهميش التاريخ المحلي. هذه العقلية لا تزال حاضرة لدى بعض الفئات، حيث يميلون إلى تصديق السرديات الغربية حول التاريخ أكثر من الاكتشافات التي تعزز أصالة حضارتهم.
غياب الثقافة العلمية لدى البعض يجعلهم غير قادرين على استيعاب أهمية الدراسات الأثرية، مما يجعلهم يميلون إلى التشكيك فيها. كما أن بعض المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية لا تعطي هذه الاكتشافات حقها، مما يؤدي إلى ضعف الوعي التاريخي لدى فئات واسعة.
المغرب بلد متعدد الثقافات واللغات، وهذا التنوع يُستغل أحيانًا في خلق صراعات هوياتية. بعض الأطراف تتبنى مواقف إقصائية تحاول تهميش فترات أو مكونات معينة من التاريخ المغربي، وعندما تظهر اكتشافات أثرية تعارض سردياتهم المفضلة، يتم التشكيك فيها أو تجاهلها.
بعض الخطابات الدينية التقليدية تنظر إلى التاريخ من منظور ضيق، حيث ترفض أي اكتشافات قد تتعارض مع تفسيراتها الخاصة. كما أن بعض التيارات السياسية تفضل التركيز على أمجاد معينة في التاريخ على حساب الفترات الأقدم، مما يخلق نوعًا من الانتقائية في الاحتفاء بالاكتشافات الأثرية.
على عكس دول أخرى تستثمر بقوة في تسويق هويتها التاريخية، لا تزال الجهود المغربية ضعيفة في هذا المجال. فمثلاً، الاكتشافات المتعلقة بأقدم إنسان عاقل في جبل إيغود أو آثار الحضارات القديمة في المغرب لم يتم استثمارها بالشكل الذي يجعل المواطن يشعر بالفخر والاعتزاز بها.
إن التشكيك في الاكتشافات الأثرية المغربية هو جزء من مشكلة أعمق تتعلق بالهوية والثقافة والتعليم. هناك حاجة إلى مزيد من التوعية العلمية، ودعم البحث الأثري، وتعزيز السرديات التاريخية التي تجمع المغاربة بدلاً من تقسيمهم. فالتاريخ المغربي غني ومتنوع، ويستحق أن يكون مصدر فخر لجميع المغاربة، بعيدًا عن أي حسابات إيديولوجية أو سياسية ضيقة.
*عالم أثار مغربي