تشهد سواحل المغرب في الأيام الأخيرة اضطرابات جوية غير مسبوقة، أثرت بشكل مباشر على حركة الملاحة البحرية، خاصة في موانئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
رياح قوية وهيجان الأمواج حالا دون رسو سفن البترول في موانئ رئيسية مثل ميناء المحمدية، ما تسبب في تعطيل عملية تفريغ شحنات المحروقات الموجهة للسوق المغربية.
هذا الوضع ألقى بظلاله على القطاع الطاقي، في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع مستمر في أسعار المحروقات، ما يزيد من الضغوط على القدرة الشرائية للمواطنين.
تعذر تفريغ شحنات البترول في الموانئ أدى إلى تحمل الشركات تكاليف إضافية نتيجة مصاريف التوقف، وهو ما ينعكس مباشرة على أسعار المحروقات في السوق الوطنية.
هذا السيناريو يكشف عن هشاشة المنظومة الطاقية في المغرب واعتمادها شبه الكلي على الاستيراد، في غياب أي حلول بديلة لتعزيز المخزون الاستراتيجي.
في هذا السياق، أكد الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، في تصريح توصلت به الجريدة 24، أن هذه الأزمة تشكل درسًا جديدًا لصناع القرار في البلاد.
وأوضح أن الوضع الحالي يبرز مجددًا الأهمية الاستراتيجية لشركة “سامير”، التي كانت تلعب دورًا حيويًا في تكرير البترول وتخزينه، ما يضمن احتياطات وطنية كافية لمواجهة الأزمات.
ويرى اليماني أن إعادة تشغيل مصفاة سامير باتت ضرورة وطنية لضمان الأمن الطاقي للمغرب، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي قد تواجهها الأسواق العالمية.
فغياب المصفاة يجعل البلاد رهينة للتقلبات الخارجية، في وقت يمكن فيه تعزيز الاحتياطات الوطنية وتقليص الكلفة الإجمالية عبر إعادة تشغيل المنشأة.
من جانب آخر، يستمر الجدل حول تأثير تحرير أسعار المحروقات الذي دخل حيز التنفيذ منذ سنوات.
فعلى الرغم من تراجع أسعار البنزين في السوق الدولية خلال الفترة الأخيرة، حيث انخفض ثمن الطن من 718 إلى 706 دولارات، في حين استقر الغازوال عند 715 دولارًا، إلا أن الأسعار في محطات الوقود الوطنية لم تعكس هذا الانخفاض.
وبحسب الحسين اليماني، فإن سعر البيع للعموم في محطات التوزيع بالدار البيضاء والمحمدية لا يقل عن 11.50 درهم للتر الغازوال و13.50 درهم للتر البنزين، وهو ما يتجاوز بكثير الأسعار التي كان يُفترض تطبيقها وفق آليات ما قبل تحرير السوق.
ومقارنة بالحسابات قبل تحرير الأسعار ، حسب ذات المتحدث، فكان من اللازم، أن لا يتعدى ثمن لتر الغازوال 10.35 درهم ولتر البنزين 11.37 درهم، وبذلك يستمر نهج الأرباح الفاحشة في المحروقات، ويتبين بأن تحرير الأسعار تسبب في رفع الأسعار وليس في تخفيضها، كما كان يدافع عليه المناصرون لقانون السوق وحرية الأسعار.
الدعوات لإعادة النظر في سياسة تحرير أسعار المحروقات تتزايد في ظل استمرار غلاء الأسعار.
ويرى المتحدث ذاته أن الحل الأمثل يتمثل في التراجع عن هذا القرار، وإعادة فرض رقابة الدولة على الأسعار، مع تخفيض العبء الضريبي المفروض على المحروقات.
الأزمة الحالية تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأمن الطاقي في المغرب، ومدى استعداد البلاد لمواجهة التحديات المناخية والاقتصادية المتزايدة.
وفي ظل هذه الظروف، يظل إحياء شركة سامير والاستثمار في البنية التحتية الطاقية الوطنية أحد الحلول التي يمكن أن تعزز الاستقلالية الطاقية، وتوفر شبكة أمان في مواجهة الأزمات الدولية.
وسبق أن أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن الاستهلاك الوطني للمواد البترولية قفز إلى 12 مليون طن خلال العام الماضي، مسجلًا زيادة بنسبة 5% مقارنة بعام 2023. وأوضحت أن الغزوال يهيمن على المشهد بحصة الأسد (52%)، يليه غاز البوتان (23%)، ثم وقود الطائرات والفيول (8% لكل منهما)، في حين لم تتجاوز حصة البنزين 6%، والبروبان 2% فقط.
وخلال جلسة برلمانية، كشفت بنعلي عن الأرقام الحقيقية لمخزون المحروقات، الذي يشكل خط الدفاع الأخير أمام أي أزمة طاقية مفاجئة. ووفقًا لبياناتها، فإن مخزون البنزين يؤمن احتياجات المغرب لمدة 102 يوم، يليه الغازوال بـ77 يومًا، ثم الفيول بـ70 يومًا، ووقود الطائرات بـ58 يومًا، أما غاز البوتان، الذي يشكل عنصرًا حيويًا في معيشة المواطنين، فلا يكفي سوى لـ55 يومًا، بينما يتضاءل مخزون البروبان ليغطي 31 يومًا فقط.
هذه الأرقام تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى صمود الأمن الطاقي المغربي في مواجهة الأزمات العالمية والتقلبات المناخية، فهل يكفي هذا الاحتياطي لحماية البلاد من مفاجآت السوق الدولية؟
الرهان الآن على القرارات الاستراتيجية التي سيتخذها صناع القرار، سواء عبر إعادة النظر في تحرير الأسعار، أو إعادة تشغيل مصفاة سامير، لضمان أمن طاقي مستدام يخفف من الأعباء على المواطنين، ويحصن الاقتصاد الوطني ضد التقلبات الخارجية.