الثلاثاء, مارس 4, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيإسلام مغربي.. الدّين يسر (الحلقة الأولى محمد المختار السوسي)

إسلام مغربي.. الدّين يسر (الحلقة الأولى محمد المختار السوسي)


ما من مغربي أو جزائري أو تونسي أو ليبي، إلا ويحس الآن من أعماق قلبه أن مغناطيس هذا الانجذاب هو دين الإسلام . ( المختار السوسي).

**تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم التسامح والتكافل والتعاون التي طبعت الإنسان المغربي الأصيل، قائما على ركائزَ متينة تقوم على السجيّة المغربية، التي يسير وفقها كلّ أمر في الحياة بـ”النية”…

اخترنا لكم في “Le12.ma”وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات المغربية التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة المغربية منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية العربية والدولية أنّ هذا الإسلام “على الطريقة المغربية” لم يكن بالضّرورة قائما على “الصّدفة (النيّة).

بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام… (آية قرآنية) و”الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر” وأنْ “ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه”.

وخير ما نستهلّ به هذه الجولة الفكرية والتنظيرية الغنية هذا المقال للعلّامة محمد المختار السوسي:

الحلقة الأولى. لنكن مسلمين أولا يكتبها العلامة الراحل محمد المختار السوسي

إننا اليوم ننعم بهذا الاستقلال الذي هيأه الله لنا بفضله، تحت جهود الذين ضحوا بأنفسهم وبنفائسهم، وجعلوا أمام أعينهم: إما الحياة الحرة التي ترفع صاحبها إلى الثريا، وإما شهادة ترفع صاحبها إلى عليين، في جنة عرضها السماوات والأرض.

حقا، ها نحن أولاء مستقلون، وها هي ذي حكومتنا الفتية تسير بالأمة سيرا طبيعيا إلى الأمام، وها هو ذا الشعب على اختلاف مشاربه يلتف حولها، ويرى منها رمز الحياة والتقدم، ومشعل ارتكاز في المكان الذي يستحقه – بين شعوب اليوم – شعب امتزجت الحرية والاستقلال بدماء شرايينه منذ اثنى عشر قرنا.

لكن، أيكفي أن نقول إننا مستقلون اليوم من غير أن نراجع قائمة مقوماتنا التي كنا بها أمة عظيمة امتدت أجنحتها حتى حلقت على اسبانية المسلمة وعلى الجزائر وتونس وليبية؟ فبأي شيء استطاع ابن تاشفين، وعبد المومن أن يضما هذه الأطراف إلى مراكش، وأن يمزجا بينها حتى صار الجميع قطرا واحدا تتجاوب أرواح كل سكانه تجاوبا لا يزال دويه يطن في آذان التاريخ إلى الآن، كلما ذكرت الزلاقة والأرك، أو كلما قرئت أنباء تطهير تونس من أساطيل أهل صقلية، ونظراء أهل صقلية ممن كادوا إذ ذاك يلتهمون شمال إفريقية، كما التهمت صقلية نفسها إذ ذاك التهاما ضاع به هناك الإسلام؟.

إن سكان شمال إفريقية اليوم – ونحن في أواخر القرن الرابع عشر – لا يزالون مستعدين أتم الاستعداد لهذا التجاوب على لسان اللغة والدين والدم، فهل نجد منا ما كان وجده ابن تاشفين وعبد المومن من فورة غيرة دينية ولغوية ودموية، تتجاذب بها القلوب من كل شمال إفريقية، إذا بما كان أمس من تلك العظمة التي تجلت من المرابطين والموحدين تعود اليوم بأعلى وأجلى مما كانت عليه إذ ذاك؟.

ما من مغربي أو جزائري أو تونسي أو ليبي، إلا ويحس الآن من أعماق قلبه أن مغناطيس هذا الانجذاب هو دين الإسلام الذي حاول الاستعمار منذ ألقى كلكله على آبائنا أن تضعف من بيئتهم قوته وسطوته، وأن يكف تلك الروعة التي متى استولت على الأفئدة تصهرها، فإذا بها كتلة واحدة ذات إحساس واحد، ومتجه واحد، ومبدأ واحد، وغاية واحدة، استمدادا من دين له قبلة واحدة ورب واحد، ورسول زرع الوحدة بين كل من يحمل اسم الإنسانية.

فتح الاستعمار مغاليق شتى عن أصناف شتى من مكايده، ثم حاول بكل ما يملكه من لباقة وخلابة وزخرفة وتمويه أن ينفث سمومه في الروح التي يرثها الابن المسلم عن آبائه، فما ترك من تعاليم الإلحاد ولا من التشكيك في مبادئ الإسلام، ولا من مفسدات الأخلاق، إلا عرضها عرضا أمام النشء بكل مصابرة ومثابرة، فلم يترك لا مدرسة ولا مسرحا ولا زاوية من زوايا الحياة التي لابد أن يلم بها النشء إلا زرع فيها ما يمكن أن يجتث جذور تعاليم الإسلام السامية من العقول.

لكن هل نجح الاستعمار كل النجاح في محاولته هذه؟ وهل استطاع أن يغطي تلك الشمس الوهاجة من عليائها عن أبصار كل من مروا بين يدي مدارسه أو مسارحه؟

الحمد لله، فقد ملأ كل الصدور بهجة واغتباطا وحبورا، أن شاهدنا هذه المحاولات قد خابت كلها خيبة صارت مثل القنبلة الهيدروجينية في قلوب الذين شاهدوا ولمسوا وعاينوا بأعين محملقة انتساف دسائسهم من غالب أولائك النشء الذين ربوهم، حين كانوا هم الرافعين لراية الإسلام اليوم، والمقدمة من طلائع المكافحين الآن عن العروبة ودين العروبة وأقطار العروبة.

و بعد، فإن الاستعمار أصناف، فأدناها استعمار الأرض، وأشدها استعمار العقول والأفكار، فقد وفقنا إلى زحزحة استعمار الأرض السهل، وبقي أن نزحزح استعمار العقول والأفكار عن ثلة قليلة من أبنائنا، فيجب أن نعرض أمامهم ما جهلوه عن دين الإسلام وعن مبادئ الحق، وعن مغازيه في الحياة، فإن بعض من تأثروا بما دس إليهم حسنو النية، ويدركون بسرعة، وأرى أن هذا من أوجب الواجبات على نخبة من شبابنا جمعوا بين الثقافتين ودرسوا الإسلام حق الدراسة، فهم وحدهم الذين يمكن لهم أن يأخذوا بأيدي أولادنا هؤلاء بملاطفة، حتى إذا أدركوا وفهموا، فإذ ذاك تسير الأمة كلها في صف واحد في تفكيرها وفي مثلها العليا.

عندنا – ونحمد الله على ذلك- ملك يحبه الشعب، لا لكونه ملكا فحسب، بل لكونه أيضا صالحا مؤمنا، عارفا ما يعرفه الطبيب النطاسي من مريضه، كما عندنا شعب متدين لا يريد بدينه ولا بمقوماته بديلا، وهو الذي شايع ملكه في التضحية، وشاطره في المحنة، أفمن كان فيهم مثل هذا الملك الصالح، ومثل هذا الشعب الصالح، وتهيأ لهم الوقت الصالح للالتفاف حول مبدأ به سدنا أمس وبه التأم شملنا اليوم، فأنى لا يكونون كلهم صالحين؟ صالحين في كل ميدان ، صالحين للنظام، صالحين لأسباب الرقي، صالحين لاقتباس ما لا نهوض إلا به، ومتى ساد الصلاح كل ناحية  من نواحي أعمال الأمة ، فلابد أن تكون في مقدمة الأمم.

إن الذين ضحوا في وقت المحنة تلك التضحية الباهرة، ما ضحوا إلا ليكون الشعب مسلما، والإسلام عند عارفه مثال الإنسانية الكاملة، بعلمها ونظمها وحياتها الواقعية، وقوانينها التي تستمد دائما من العدل والحرية الشخصية  ومن المصالح العامة، فبذلك صار الإسلام صالحا لكل زمان ولكل مكان، ولا تخفى هذه الحقائق إلا عن الذين جهلوا الإسلام ولم يدرسوه، ولا كلفوا أنفسهم بالالتفات إليه ولو أدنى التفات.

يا قوم، إننا سمعنا بمئات من الجمعيات من كل ناحية، فهل سمعنا بجمعية تقويم الأخلاق؟ وبجمعية دراسة مبادئ ديننا الحنيف؟ ليستنير بمعرفتها من كان جاهلا بها.

أو ليس إن من مقدمات ما حاوله الاستعمار هو القضاء على مبادئ ديننا الحنيف، وجعله دينا همجيا بدائيا؟ فإن شككنا في كل شيء، فلا ينبغي لنا أن نشك في نوايا الاستعمار لنخالفها اليوم في عهد الاستقلال، أو ليس أن للمشعوذ والمومس أمس في عهد الاستعمار الحرية الكاملة في التنقلات؟ على حين أن المرشدين بآداب الدين مقيدون محرم عليهم أن يتنقلوا، حتى إذا تسرب أحدهم إلى ناحية فإنه يجد نطاقا من العيون حواليه، ثم يستدعى إلى المراقبة، ثم يكون أهون ما يلاقيه الإبعاد في الحين، أو ليس أن الواجب في عهدنا هذا – عهد الاستقلال – أن تنعكس القضية ، فنقيد من عسى أن يفسدوا أفكار الأمة في الإلحاد وسوء الأخلاق، ونطلق المرشدين الذين يتلقاهم الشعب بكلتا اليدين؟.

إننا اليوم في فجر نهوضنا، فيجب علينا أن نتنبه  إلى مقوماتنا لنحافظ عليها، ونسترجع ما كاد الاستعمار يأتي عليه بمحاولاته الشتى.

يا قوم، لنكن مسلمين أولا، في عقائدنا وفي أعمالنا ، وفي محاكمنا، وفي نظمنا، وفي كل شيء، لتبقى لنا صبغتنا القومية من كل ناحية، ولنحرص على أن لا نأخذ من الغرب إلا ما هو نافع، ثم لنحرص على أن نصبغه بصبغتنا الخاصة، فإننا إن لم نفعل ذلك ولم نتعرب ولم نتصف بالإسلام العملي، فسنندم عن قريب، ونحن متفائلون ما دمنا نقتدي بمحمد الخامس حفظه الله للإسلام وللعروبة، وأقر عينه بولي عهده الذي يربيه كما يحب أن يربي كل واحد من شعبه ولده.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات