الدار/ تحليل
الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة يمثل خطوة أولى في عملية التنسيق بين البلدين من أجل تفعيل مواقفهما المشتركة في قضايا إقليمية ودولية عديدة. على رأس هذه القضايا طبعا القضية الفلسطينية وجهود إقرار السلام في غزة، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس. والإشادة التي أوردها البيان الرسمي للخارجية الأميركية بالجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس في ميادين السلام والأمن الإقليميين تؤكد أن واشنطن تعول في ظل الإدارة الجديدة على المغرب كثيرا من أجل التنزيل الفعلي للاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب والقائمة على وقف كل أشكال النزاعات والحروب الدائرة بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية.
لم يمض على تنصيب الرئيس الأميركي سوى أسبوع واحد ليبادر وزير خارجيته بالتواصل مع السلطات المغربية، للتعبير عن إرادة الولايات المتحدة الأميركية في “تكثيف التعاون مع المغرب، بغية الارتقاء بالمصالح المشتركة في المنطقة ووضع حد للنزاعات، لاسيما في إطار اتفاقيات أبراهام” وفقا لما ورد في البيان. ومن المؤكد أن الإطار العام لهذه الاتفاقية الثلاثية التي التزم بها المغرب وأميركا وإسرائيل هو نفسه الذي أفرز قبل بضع سنوات دينامية إيجابية للغاية فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، وانتهى كما هو معروف باعتراف أميركي رسمي بسيادة المغرب على صحرائه. ولعلّ هذا التنسيق الجديد بين مصالح وزارتَي الخارجية في البلدين يؤكد التزام إدارة ترامب بالمضيّ قدما إلى أبعد مدىً في تفعيل هذا الاعتراف ومقتضياته وما يعنيه ذلك من التزام قانوني واقتصادي وتجاري.
وفي هذا السياق يذكر البيان أن الوزيرين شدّدا على “أهمية تعزيز المبادلات التجارية والاستثمارات بين البلدين، بما يخدم مصالح الشعبين”. تفكر الولايات المتحدة جديا في موقع المغرب الاستراتيجي والآفاق الاقتصادية الواعدة التي يقدمها، ولا سيّما بعد أن أظهرت الصين مؤخرا اهتماما كبيرا بالاستثمار في المغرب في مجالات عديدة أهمها قطاع السيارات والبطاريات الكهربائية. وإذا كان التوقيع على اتفاقية أبراهام قد قاد قبل بضع سنوات إلى الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء فإن الولاية الحالية للرئيس دونالد ترامب قد تشهد تطورا جوهريا في هذا الملف، ولا سيّما على صعيد الأمم المتحدة. هناك معطيات عديدة تغيرت ولا يمكن أبدا التراجع عنها.
إسبانيا وفرنسا اعترفتا بسيادة المغرب على صحرائه. وتبع ذلك تطور كبير في مواقف العديد من الدول الأوربية والإفريقية. كما شهدت خارطة الدول المعترفة بالجمهورية الوهمية تقلصا كبيرا، خصوصا في أميركا اللاتينية. وقد وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدعم الدول الحليفة لواشنطن، وفرض عقوبات على أعدائها وخصومها أيضا. ومن المهم للغاية الوقوف عند عبارة “وضع حد للنزاعات” التي أشار إليها البيان، لأنها تعكس فلسفة الإدارة الأميركية الجديدة، حيث يؤمن دونالد ترامب بأن هذه الحروب والصراعات هي التي تؤدي إلى حالة التضخم العالمي، وتؤثر على الاقتصاد وترهق كاهل الدول بالعديد من الأعباء التي هي في غنى عنها. ومن بين هذه النزاعات تلك التي تحولت إلى ذريعة للإبقاء على حالة التوتر، ومنها النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
الإدارة الأميركية الجديدة تمتلك نفوذا دوليا يكاد يكون هو الأقوى والأكثر رسوخا في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. لم يمتلك رئيس أميركي كاريزما وتأثيرا وقوة كهذه التي يتمتع بها اليوم دونالد ترامب. وهذا يعني أن لديه كل المقومات والصلاحيات الكافية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية من خلال إلزام الجزائر بالعودة إلى طاولة التفاوض المباشر مع المغرب، في أفق التسوية المبنية على مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها بلادنا. وفي مقابل هذا النفوذ الأميركي القوي، هناك أزمة حقيقة تخترق مفاصل النظام الجزائري بسبب الوضع الداخلي المحتقن، ومخاوف تراجع أسعار النفط بما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد المحلي، علاوة على الانتكاسة الدبلوماسية الكبيرة التي تعرّض لها هذا النظام في العديد من مناطق العالم. إنها ظرفية جد مناسبة إذاً كي تبادر الإدارة الأميركية إلى تعبئة المنتظم الدولي للتوجه نحو الحل النهائي لهذا النزاع الذي طال أكثر من اللازم.