بقلم : سيدي علي ماء العينين
لا أظن أن من أراد تخليد اليوم العالمي للعناق، يريد به تخليد عناق الأزواج الذي يحدث كل يوم ويتكرر في الليلة مرات، فعناق الحب يختلف حسب مكانه و ملابساته و غاياته ،لكن العناق الذي اريد الحديث معكم عنه هو عناق المحبة، عناق بشحنة عاطفية سامية لا تتلوها قبلة بتطابق الشفاه، لكن بقبلة على الجبين أو على اليد وحتى على الكتف، لا أعرف لماذا كلما أراد الاولاد أن يقنعوا أنفسهم انهم كبروا و أصبحوا بالغين إلا و ابتعدوا عن حضن الأم وعناق الأبوين، ولا أفهم من يتهم رجلا بالغا وهو يرتمي في حضن والدته انه “ولد مو”.
في عناق الحب بين الزوجة وزوجها تكون الصور المروجة للتعبير عن هذا العناق تجعل الزوجة في وضعية وضع الرأس على صدر الرجل، تعبيرا عن الحماية و الحصانة و الإحتضان، ونادرا ما نجد صورة لرجل يضع رأسه على صدر زوجته، ففي ذلك تسويق وترويج للضعف والتحكم، وهذا والله تغليط و تمطيط، لكن في المقابل تنتشر صور الأزواج وهم يضعون رؤوسهم على بطون زوجاتهم اثناء الحمل للإستماع لدقات قلب الوليد أو التمتع بحركاته في بطن الزوجة.
العناق في حضن إمرأة كانت اما أو زوجة أشبه بالدعاء، فالمتعارف عليه أن الزوجة إن رأت فيك ما يسعدها دعت لك بالخير، وإن رأت فيك ما يقلقها دعت عليك بكل شر الدنيا، لكن الأم مهما كانت معاملتك لها، فهي تدعو لك بالخير، حتى انك حين تغيب عن الزوجة تخالك في جلسة سمر وخيانة مع أخرى، وحين تغيب عن الأم تعتقد أن مكروها لحق بك وانك ممدد بأحد المستشفيات،
لذلك فرغبة الرجل في وضع رأسه على صدر زوجته خطوة محفوفة بالمخاطر!!!!
فالزوجة وهي تداعب شعر رأسك الموضوع على صدرها ينتابها شعور غريب وتجد نفسها تطرح السؤال الغريب :” ترى ماذا يخبئ هذا الرأس، ولماذا يرتمي في حضني خارج المعاشرة؟”
سيقول قائل إنني اتحامل على الزوجة والحبيبة لحساب الأم، والحال انني لا اعمم ولا اتكلم عن واقعة بعينها، بقدرما اقدم إنطباعات شائعة في اوساط عامة الناس.
… في اليوم العالمي للعناق ادعو كل رجل وإمرأة مهما كبر أحدهما ومهما أنجبا وسافرا واستقرا ببيوتهما، ادعو كل واحد منهما ان يدرك ان الإنسان مهما إبتعد عن حضن والدته فحلول كل مشاكل الدنيا، و الراحة التي لا تقدر بثمن، و السر الإلاهي الذي يعطيك طاقة لن تجدها في مكان آخر، هو في ان يتعلم في زحمة الحياة و ضغط أعصاب الشغل و تراكم الإجتماعات و اللقاءات، أن يخطف له موعدا بلا سابق إشعار و ان يتسلل إلى بيتهم و يضع رأسه على حِجر والدته و يدعها تداعب شعره و تسترسل في الدعاء له حينا، وسرد قصص طفولته حينا، و توجيه اللوم له حينا، وتنبيهه لأمور الدنيا حينا…
جلسة روحية تغنيك عن زيارة طبيب نفسي،، فهي صلاة من نوع آخر، و سفر إلى كوكب آخر، فلا تتردد مهما كبر عمرك فلن يكبر على حضن امك،وحضن امك مهما اوهمت نفسك لن تجد حضن إمرأة أخرى يشبهه.
أما من كانت امه ميتة متوفاة، فليثق عن تجربة ان الوقوف على قبرها ولو لساعات والدعاء لها في السر والعلن مدى الحياة لن يمنحك ابدا نفس الإحساس ونفس الأمان والإطمئنان.
سارعوا إلى عناق امهاتكم، سارعوا إلى شحن بطارياتكم بطاقة إذا انتهت إنتهيتم.
ورحمة الله على والدتي التي اعانق روحها في اليوم والليلة تلفني برضاها و تحملني إلى عوالم خفية أراها ولا يراها غيري
فهل تعتبرون ؟