الخميس, يناير 23, 2025
Google search engine
الرئيسيةالرئيسيةبرنامج “ترامب” في ولايته الثانية.. – لكم-lakome2

برنامج “ترامب” في ولايته الثانية.. – لكم-lakome2


أشرت في مقال “النظم العربية لديها  قدرة فائقة على إضاعة الفرص و تكرار ذات الرهانات الخاسرة..” إلى أن البلدان العربية تنتظرها  سنوات عجاف وسيناريو سورة يوسف على الأبواب، فالأزمة الحالية أزمة مياه وغذاء وموارد مالية وهي أيضا أزمة قيادة،  ولا يمكن الخروج من شبح الجوع والعطش والتهديدات الأمنية إلا بالوحدة والتكتل والإستعداد لما هو قادم، فهذا “ترامب” قبل دخوله الرسمي للبيت الأبيض يهدد بضم كندا وقناة بنما وجزيرة غريلاند، ويهدد الحلفاء الغربيين فكيف سيكون تعامله مع البلدان والموارد العربية، فالتنافس القادم على الموارد والممرات والمضايق  البحرية والمواقع الجيواستراتيجة ..

آراء أخرى

• خطاب التنصيب:

ولم أجانب الصواب في توقعي فخطاب التنصيب الذي ألقاه ترامب يوم أمس الإثنين 20-01-2025، محمل بالرسائل في مختلف الاتجاهات¡  وتعهد بجعل  أميركا أمة عظيمة، ووقف الانهيار الأميركي، واستعادة أميركا مكانتها الصحيحة “باعتبارها أعظم وأقوى وأكثر الدول احتراما على وجه الأرض”، كما كرر ترامب تصريحاته السابقة التي وعد فيها باستعادة قناة بنما، و أهم النقاط و المحاور التي جاءت في خطابه و التي تمثل خارطة طريق للمرحلة القادمة :

– فرض تعريفة جمركية وضرائب على منتجات الدول الأجنبية.

– دعم كل العاملين في الولايات المتحدة وسيتمكن الأميركيون من شراء السيارات التي يرغبون فيها.

– أميركا ستكون أمة مصنِّعة مرة أخرى وسنمتلك أكبر قدر من النفط والغاز وسنُخفِّض الأسعار وسنصدر طاقتنا إلى العالم.

– جيشنا سيكون الأقوى على مستوى العالم.

– قواتنا المسلحة ستركز على مهمتها الوحيدة، وهي إلحاق الهزيمة بأعداء أميركا.

• ترامب بعد التعديل:

و أهم ملاحظة يمكن إستخلاصها من حفل التنصيب بالمجمل، أن ترامب لم ينفصل تماما عن ولايته السابقة وعن السنوات التي سبقت حفل تنصيب الأمس، و إن كان الرجل غير كثيرا من حدته السياسية التي عهدناها في ولايته الأولى، فالرجل أصبح أكثر تمرسا وتعلم من تجاربه الماضية، لكن ذلك لا يمنع من أنه  عازم على تصفية حساباته مع خصومه في الداخل، وعلى رأسهم إدارة بايدن والحزب الديموقراطي والنخبة البيروقراطية والعسكرية و الأمنية، فأهم محاور الخطاب لها إهتمام بالداخل الأمريكي  ..

• غياب مجرم الحرب :

أما على المستوى الخارجي، فأول المفاجئات وأهمها عدم حضور مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية “النتنياهو” لحفل التنصيب، وقد حضرت زوجته سارة وإبنه يائير ضمن لائحة المدعويين.. ولعل هذا الحدث مؤشر على خلاف شخصي بين الرجلين، و لاسيما أن ترامب من الصنف الذي لا ينسى خصوماته، ولا يترك الحسابات مفتوحة !!

• نزعة حمائية :

وبعيدا عن هذه الملاحظات الشكلية، فإن أهم ما جاء في خطاب ترامب هو نزعته الحمائية، ومحاولة إعادة توطين الصناعات بالداخل الأمريكي، والحرص على تحقيق الإكتفاء الذاتي من الطاقة بل العمل على تصديرها، وهذا يعني تراجع الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط بإعتبارها أهم مصدر للطاقة بالنسبة لأمريكا ..

• حروب تجارية:

بالرجوع إلى دراسة الأسباب المباشرة و غير المباشرة لاندلاع الحروب التي عرفها العالم طيلة القرنين ١٩ و ٢٠، ندرك أن البواعث الاقتصادية والتجارية لعبت دورا محوريا في نشوب أغلبها، و خطاب ” ترامب” في يوم تنصيبه و الشعارات التي رفعها، تعد مقدمة لمرحلة قادمة حبلى بالأزمات ذات الطبيعة التجارية والاقتصادية..

• كسر العصا السحرية:

فدعوة “ترامب” لنهج سياسة حمائية، وانغلاق الاقتصاد الأمريكي، والحد من تدفقات الاستثمارات ورؤوس الأموال الأمريكية إلى الخارج، وتقييد حركة الدخول والخروج للأسواق، يعرف في الأدبيات الاقتصادية بالسياسات الحمائية في مقابل سياسات الانفتاح والتبادل الحر. والتي شكلت العصا السحرية لتحقيق التنمية والرخاء، تبعا للتصور الأمريكي، لكن يبدو من خطاب الرئيس “ترامب” أن السحر انقلب على الساحر.

• التجارة الحرة :

فأمريكا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط حائط برلين، و تزعمها للنظام العالمي الجديد و إرساء نظام القطبية الأحادية، عملت على إزاحة كل القيود والحواجز في وجه حركة رؤوس الأموال والسلع على مستوى العالم، وتوجت هيمنتها على النظام العالمي بصياغة رؤية تنموية مفادها أن التجارة الحرة و الانفتاح هو بوابة التنمية، وعملت على بلورة هذه السياسة العالمية عبر آليتين: الأولي: منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والثانية: اتفاقيات التبادل الحر التي وقعتها مع العديد من بلدان العالم وأبرز مثال لها اتفاقية “النافتا” مع كندا والمكسيك واتفاقيات التبادل الحر مع المغرب والأردن و مصر …

• أمركة الاقتصاد العالمي:

هذه الآليات المرنة عملت بالتوازي مع القوة الصلبة الأمريكية، على “أمركة” الاقتصاد العالمي وجعل هذا الأخير في خدمة المشروع  الامبريالي الأمريكي أو ما عرف ب” مشروع القرن الأمريكي”. غير أن خطاب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يعد اعتراف  تاريخي بنهاية  عصر الهيمنة الأمريكية -الاقتصادية و العسكرية و الثقافية – على العالم، ورغم أن خطابه لم يصرح بذلك بوضوح، إلا أن السياق العام الذي يعرفه الاقتصاد الأمريكي خاصة والعالمي عامة يؤكد ما ذهبنا إليه..

• صعود أسيا:

إن تحرير الاقتصاد العالمي ورفع القيود على حركة رؤوس الأموال والسلع، مكن العديد من البلدان النامية من تحقيق معدلات نمو اقتصادي جد مرتفعة، ونقل التكنولوجيات المتطورة لاسيما بلدان شرق آسيا التي أصبحت اليوم عصب الاقتصاد العالمي… فصعود اقتصاديات الصين والهند وغيرها، يشكل أهم تحدي للاقتصاد الأمريكي الذي فقد العديد من المزايا النسبية، خاصة في جانب الاقتصاد الرمزي / المعرفي. فالصين وهي المنافس الأكثر شراسة لأمريكا في الوقت الراهن، لم تعد طموحاتها محصورة في الاستثمارات الكثيفة اليد العاملة، وإنما ارتقت في السلم الصناعي والتكنولوجي لتركز على الاستثمارات الكثيفة رأس المال والمتقدمة تكنولوجيا…

• التحدي الصيني :

فالتحدي الذي يواجه أمريكا هو الحد من صعود القوة الصينية خاصة وباقي الاقتصاديات الناشئة عامة، ولا ينبغي اعتبار أن التركيز على الصين هو إهمال لباقي الاقتصاديات الناشئة أو المتقدمة، لكن الصين بحكم الحجم الديموغرافي والقوة العسكرية المتنامية والسيولة النقدية الناجمة عن النمو السريع تشكل أهم تحدي للإدارة الأمريكية في القادم من الأعوام، لاسيما وأن الصين في قلب منطقة حبلى بالموارد المالية والبشرية …

• تأثير متبادل :

فالسوق الأمريكي شكل و لازال، وجهة للصادرات الصينية و الشرق آسيوية، وغزو السوق الأمريكي بالسلع ذات المنشأ الشرق آسيوي، بقدر ما أفاد بلدان المنشأ فإنه بالمقابل حقق الكثير من المزايا للداخل الأمريكي ويمكن اختزال هذه المزايا في :

1- توفير سلع منخفضة الكلفة وهو ما ساهم في تعزيز القوة الشرائية للمواطن الأمريكي و توسيع خياراته الاستهلاكية، فما يفقده السوق الأمريكي من وظائف عمل يتم تعويضه في انخفاض كلفة المنتجات الاستهلاكية مقارنة بالمنتج الأمريكي الصنع..

2- أهمية السوق الأمريكي كوجهة الصادرات الصينية خاصة، جعل الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من سيولة مالية تم جذبها من المركزي الصيني كاستثمارات في سندات الدين الأمريكي تعزيزا لقوة الدولار، فسياسة الصين التصديرية تقوم على أساس تخفيض قيمة اليوان في مواجهة العملات الرئيسة لاسيما الدولار …

• ابتزاز مكشوف :

واستنادا إلى هذه العلاقة  فإن الرئيس الأمريكي وإن كان “يعرف من أين تأكل الكتف” إلا أن  هذه معرفة تقليدية و أصبحت متجاوزة و تنم على رؤية محدودة الأفق، فحرصه على إطلاق دعوات الانعزالية والحمائية هو رغبة في ابتزاز الاقتصاديات الصاعدة التي تحتاج إلى استقرار في الاقتصاد العالمي وتجنب الاهتزازات في الأسواق الأساسية، لاسيما وأن العديد منها  لم يتعافي بعد من أثار الأزمة التي أعقبت جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية  

• اللاعبون الجدد:

فاللاعبون الجدد في الساحة الدولية على قدر كبير من الرزانة السياسية، لاسيما بلدان شرق أسيا التي تصنع مجدها وقوتها في صمت وبعيدا عن الضوضاء. فالاقتصاديات القوية توجهها حكومات قوية تستند إلى الكفاءة والتخطيط البعيد المدى، فالمضايقات التي تتعرض لها الصين قد تعرضت لها اليابان في ثمانينات القرن الماضي وبنفس الأسلوب، ولم تستطع هذه المضايقات وقف القوة الاقتصادية اليابانية، ونفس الأمر ينطبق على الصين وباقي الاقتصاديات الناشئة. فالتطور والتقدم  الاقتصادي في بيئة تعتمد اقتصاد السوق لا يمكن أن يتم في ظل نظم حكم فاسدة وغير فعالة  وفي ظل مجتمعات مفككة و غير منسجمة…

• ثروات العرب:

من هذا المنطلق يمكن الجزم بأن تهديدات الإدارة الأمريكية الحالية  لن تنجح في استنزاف موارد وقدرات إلا  البلدان الهشة -و للأسف العالم العربي من ضمنها-، أما البلدان القوية فهي تمتلك من أوراق الضغط والمناورة ما يمكنها من كبح جماح القوة الأمريكية ومحاصرتها اقتصاديا وتجاريا، عبر نفس الآليات التي اعتمدتها أمريكا في السابق لتحقيق مشروعها الإمبراطوري، فالصين وغيرها من الاقتصاديات الصاعدة، تستطيع استنادا لآليات منظمة التجارة العالمية من اتخاذ نفس التدابير الحمائية، وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل…

• الخاسر الأكبر:

فالعالم سيشهد دون شك حروب اقتصادية عنيفة على شاكلة ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، لكن خلال هذه الحقبة ستكون بؤرة القصف الصين وجيرانها… والخاسر الأكبر العالم العربي الذي لازال يعيش عصر الفوضى والتخلف والاستبداد الداخلي والتدخل الأجنبي، فمنظومته السياسية والإستراتيجية غير مؤهلة لقراءة المتغيرات الدولية والتعامل ببرغماتية وطنية مع الفرص التي يتيحها التنافس الناشئ بين القوى الكبرى ..

• دفع الجزية:

وفي الختام، أوجه رسالة  للنظم السياسية العربية المستبشرة بعودة ترامب، ما عليكم إلا الإستعداد لدفع الجزية، فشراهة ترامب وطموحاته السياسية والاقتصادية ستفلس خزائنكم، لكن للأسف الجزية ستدفع من ثروات الشعوب والأوطان ومن جيوب عامة الناس،  وعلى الشعوب وقواها الحية أن تدرك طبيعة المخاطر المستقبلية وعلى رأس هذه المخاطر غياب نظم “حكم صالح” ،  حامل لمشروع نهضوي -وطني و قومي-  خادم و حامي لمصالح الشعوب ومدافع  عن مستقبلها وثرواتها.. وحتى لا أطيل عليكم سأرحل ما بقي من نقاش للمقال الموالي إن شاء الله تعالى … والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..

كاتب و أستاذ جامعي 



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات