أصبح الانتشار السريع لمرض “بوحمرون” أو الحصبة في المغرب ناقوس خطر يثير قلقاً متزايداً بين المواطنين، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من نقص الخدمات الصحية.
هذا المرض الفيروسي شديد العدوى، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من القضاء عليه في الماضي، عاد ليهدد الأرواح مع تسجيل 25 ألف إصابة و120 وفاة منذ شتنبر 2023، وفقاً لتصريحات محمد اليوبي، مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة.
وصف محمد اليوبي، في تصريح تلفزيوني، الوضع الحالي بأنه “غير مسبوق”، موضحًا أن المغرب اعتاد تسجيل ثلاث إلى أربع حالات فقط من المرض سنويًا، قبل أن يشهد هذا الانتشار المفاجئ الذي أثار قلقاً واسعاً.
وأكد اليوبي أن السبب الرئيسي وراء هذه القفزة في عدد الإصابات يعود إلى تراجع نسب التلقيح في السنوات الأخيرة، وهو ما أتاح للفيروس فرصة الانتشار السريع في أوساط غير محصنة.
وأضاف أن الحصبة تُعد من أكثر الأمراض الفيروسية عدوى، إذ يمكن لشخص واحد مصاب أن ينقل العدوى بسهولة لمحيطه إذا لم يكونوا ملقحين.
وتحدث اليوبي عن جهود الوزارة لمعالجة الوضع، حيث تم وضع خطة للعودة إلى نسب تغطية لقاح تتجاوز 95%، وهي النسبة التي كانت سائدة في المغرب قبل التراجع الأخير.
وأوضح أن البرنامج الحالي يركز على تلقيح الأطفال ما فوق 9 أشهر، مع إتاحة الفرصة لمن لم يستكملوا جرعات التلقيح في السابق لإتمامها، بغض النظر عن أعمارهم.
وأكد أن لقاح الحصبة آمن تمامًا، حتى مع تلقي جرعة إضافية عند الشك.
على صعيد آخر، تزايدت المخاوف في المناطق الشمالية، مثل إقليم شفشاون وجهة طنجة تطوان الحسيمة، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الإصابات.
ووفقًا للبيانات، استقبل المستشفى الجامعي محمد السادس بطنجة وحده 448 حالة إصابة خلال عام 2024، منها 332 حالة في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط.
هذه الأرقام دفعت النائبة البرلمانية لبنى الصغيري إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، تستفسر فيه عن التدابير المتخذة للحد من انتشار المرض وضمان سلامة المواطنين.
وطالبت الصغيري الوزارة بالكشف عن خططها لتوسيع حملات التلقيح وتوعية الأسر المغربية بأهمية التطعيم، خاصة في ظل انتشار شائعات مغلوطة تقلل من جدوى اللقاحات.
وأشارت إلى أن عدد الإصابات المسجلة على الصعيد الوطني بلغ حوالي 19,515 حالة، بمعدل 52.2 حالة لكل 100 ألف نسمة، مع تسجيل 107 وفيات، نصفها بين الأطفال دون 12 عامًا.
في سياق متصل، أكدت النائبة البرلمانية خديجة حجوبي أن انتشار الحصبة في مدينة فاس، وخاصة داخل المؤسسات التعليمية، خلق حالة من القلق والتوتر لدى الأهالي، بالنظر إلى خطورة مضاعفات المرض التي قد تؤدي إلى الوفاة.
وتساءلت عن الاستراتيجية الوقائية التي تعتزم الوزارة تنفيذها لوقف انتشار الفيروس، مع التركيز على توعية الأسر وضمان حصول الأطفال على اللقاحات اللازمة.
وتشير المعطيات إلى أن الوضع الراهن يتطلب استجابة شاملة تضم جميع الأطراف المعنية، بدءًا من وزارة الصحة مرورًا بالحكومة وصولًا إلى جمعيات المجتمع المدني.
في خطوة حاسمة لمواجهة الانتشار المقلق لمرض “بوحمرون”، أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حملة وطنية واسعة تحمل شعارًا مثيرًا للاهتمام: “بوحمرون خصنا نوقفوه.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه!”.
هذه الحملة ليست مجرد دعوة للتلقيح، بل هي صرخة وطنية تهدف إلى حماية الأرواح وقطع الطريق أمام هذا المرض الخطير الذي عاد ليهدد الصحة العامة.
وعبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، أبدعت الوزارة في بث فيديوهات توعوية ووصلات تحسيسية تلفت الانتباه إلى مخاطر المرض وكيفية الوقاية منه.
لم تكتفِ بذلك، بل قامت أيضًا بنشر ملصقات تحذيرية جريئة، تعرض فيها تعليمات واضحة وإجراءات صحية دقيقة يجب على المصابين اتباعها لتجنب نقل العدوى.
وأكدت الوزارة في بيانها أن الحملة الوطنية لمراجعة واستدراك التلقيح ضد مرض “بوحمرون” ما زالت مستمرة، مشددة على أهمية التحرك السريع لحماية الأطفال والمجتمع بأسره من مضاعفات هذا المرض الفيروسي الخطير.
ودعت الوزارة جميع المواطنين إلى التوجه فورًا إلى أقرب مركز صحي لاستدراك جرعات التلقيح التي لم يتم استكمالها. إنها دعوة لإنقاذ الأطفال من مرض يمكن تجنبه بسهولة، وتحذير من عواقب الاستهانة بخطر هذا الوباء.
بالتزامن مع هذه الجهود، تعوّل وزارة الصحة على وعي المواطنين وتعاونهم لضمان نجاح الحملة الوطنية واستعادة السيطرة على الوضع الصحي. الرسالة واضحة: “التلقيح هو السلاح الأقوى في هذه المعركة”.
