أكد الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، إبراهيم عبد الله صرصور، بناء على بنود الاتفاق المتوصل إليه بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، أن إسرائيل خرجت مهزومة من هذه الجولة بالرغم مما تسببت به حرب الإبادة التي شنتها على القطاع، مشيرا إلى أنه إن ألزم المجتمع الدولي وفي القلب منه الإدارة الأمريكية الجديدة إسرائيل بتنفيذه نصا وحرفا فإنه سيحقق للمقاومة جميع أهدافها التي وضعتها.
وشدد صرصور في حوار مع جريدة “العمق” على أن توقيع نتنياهو على الاتفاق جاء إعلانا منه بفشل كل خططه في قطاع غزة بما في ذلك تهجير شمال القطاع تمهيدا لضمه الى إسرائيل واستيطانه إرضاء لحلفائه من اليمين المتطرف، مشيرا إلى أن الانجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الاسرائيلي، يواجه تحديات من الداخل ومن الخارج، وأن جميع المؤشرات توضح أن غزة قد انتصرت بالرغم من الخسائر التي خلفتها الحرب، وخلقت واقعا جديدا داخل إسرائيل قلب الكثير من المُسَلَّمات التي أربكت الواقع الإسرائيلي الداخلي.
وعن إمكانية استثمار التطورات الأخيرة لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطيني، قال صرصور” لست متفائلا من إمكانية التوصل لوحدة وطنية فلسطينية تجمع تحت رايتها كل الأطياف السياسية وتصوغ برنامجا سياسيا يحقق للشعب الفلسطيني آماله”، مضيفا، “كل شيء متوقف على مدى استيعاب القيادة الفلسطينية في رام الله أساسا لضرورة التمسك بالمطالب الفلسطينية المشروعة بعيدا عن الاعتبارات الفصائلية والصراع على السلطة الذي يُغَذِّيِهِ عداءُ المُكَوِّن العلماني غير المبرر ضد الاتجاه الاسلامي”.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
ما هو تقييمكم لهذا الاتفاق وآثاره على مسار المقاومة الفلسطينية؟
من المفيد أن ألفت الانتباه ابتداءً إلى أن الاتفاق بين حماس وإسرائيل جاء ضد رغبة حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، خصوصًا وأن هذه الحكومة والتي يقف على رأسها بالتحديد قد وضعت لهذه الحرب أهدافًا ثبت بعد الإعلان عن التوصل للاتفاق أنها لم تكن أكثر من وهم وخيال، ستزيد على المدى القريب والمتوسط الأوضاع السياسية الداخلية تعقيدًا داخل إسرائيل من حيث تحفُّز المعارضة في الكنيست والشارع الإسرائيلي لإطلاق شرارة معركة إسقاط الحكومة مباشرة بعد عودة آخر الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة.
الأهداف المعلنة التي حددها نتنياهو والتي لم يتحقق منها شيء هي: 1. استئصال حركة حماس وإنهاء وجودها العسكري والمدني في قطاع غزة، 2. إعادة المختطفين دون الحاجة إلى دفع أي من الأثمان الأمنية والسياسية. أما الأهداف غير المعلنة لهذه الحرب والتي فشلت الحكومة في تحقيق أي منها أيضًا فتتحدد في تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة أو أغلبه الساحقة إلى سيناء المصرية تمهيدًا لبسط السيادة الإسرائيلية على قطاع غزة وعودة الاستيطان إليها بكل قوة… جاء حديث شركاء نتنياهو من أحزاب اليمين المتطرف، إضافة إلى أعضاء من حزب الليكود نفسه، عن هذه الأهداف علنيًا وصريحًا، ولم يصدر من مكتب رئيس الحكومة أي بيان ينفي هذه التصريحات أو يعتبرها لا تعبر إلا عن أصحابها فقط وليس عن موقف الحكومة، الأمر الذي خلق الانطباع في الداخل والخارج أن هؤلاء يعبرون بالضرورة عن موقف نتنياهو أيضًا.
من الملفت للانتباه أن نتنياهو تنازل – على ما يبدو – عن هدف التهجير الكلي بعد سنة من الحرب بسبب الفشل الواضح، واستبدالها بتهجير شامل لكل المنطقة الشمالية من القطاع (شمالي خط نتساريم). تنفيذًا لهذا الهدف الجديد، بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ خطة شيطانية دموية أطلق عليها اسم “خطة الجنرالات” والتي تسببت في المذابح المروعة والتدمير الشامل لكل مقومات الحياة الأساسية والحصار القاتل والتجويع الفاحش الذي تابعناه جميعًا في الأربعة أشهر الأخيرة من الحرب! من الواضح أن توقيع نتنياهو على الاتفاق جاء إعلانًا منه بفشل كل خططه في قطاع غزة بما في ذلك تهجير شمال القطاع تمهيدًا لضمه إلى إسرائيل واستيطانه إرضاءً لحلفائه من اليمين المتطرف.
أما المقاومة الفلسطينية فقد حددت هي أيضًا أهدافها من عملية “طوفان الأقصى”، وخلال حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة والمستمرة منذ نحو أربعة عشر شهرًا، وظلت متمسكة بها من حيث الجوهر وإن اتبعت تكتيكات متنوعة جاءت واضحة في موافقتها على مراحل ثلاث لتنفيذ الاتفاق، التي ستُحقق – إن ألزم المجتمع الدولي وفي القلب منه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب إسرائيل بتنفيذه نصًا وحرفًا – سيحقق للمقاومة جميع أهدافها التي وضعتها والتي يمكن تحديدها أيضًا في:
1. الوقف الكامل للحرب، 2. صفقة جدية وواسعة لتبادل الأسرى تتمنى المقاومة التي تنتهي بإفراغ السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى الفلسطينيين خصوصًا المحكومين لمدى الحياة، 3. الانسحاب الإسرائيلي الكامل والشامل من قطاع غزة والعودة إلى حدود ما قبل السابع من شهر أكتوبر من العام 2023، 4. عودة النازحين إلى أماكن سكنهم في كل مناطق القطاع بما في ذلك مناطق شمال القطاع، 5. إعادة إعمار ما دمرته الحرب، 6. رفع الحصار نهائيًا عن قطاع غزة والذي استمر منذ العام 2007 وحتى الآن! أنا واثق من أن هذه الأهداف ستتحقق وأولها وقف الحرب وانسحاب إسرائيل وصفقة التبادل، وكلها تشير بوضوح إلى أن غزة قد انتصرت بالرغم من الخسائر البشرية والمادية التي تسببت بها الحرب.
لا بد هنا من الإشارة أيضًا إلى أن عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية التي تلتها، خلقت واقعًا جديدًا داخل إسرائيل قلب الكثير من المُسَلَّمات التي أربكت الواقع الإسرائيلي الداخلي.
لكل ذلك، أستطيع أن أقرر أن إسرائيل خرجت مهزومة. أما المقاومة فقد خرجت منتصرة عسكريًا، ميدانيًا ومعنويًا بالرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته دفاعًا عن الأرض والعرض.
قلت إن عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية التي تلتها، خلقت واقعا جديدا داخل إسرائيل ، ما هي هذه المسلمات ؟
نعم، عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية التي تلتها، خلقت واقعًا جديدًا داخل إسرائيل قلب الكثير من المُسَلَّمات التي أربكت الواقع الإسرائيلي الداخلي، ويمكن تحديدها فيما يلي:
جاءت عملية “طوفان الأقصى” لتثبت أن القضية الفلسطينية حية، بدليل أنها أحرجت الأنظمة العربية حتى تلك التي ذهبت بعيدًا في تطبيعها مع إسرائيل، وفرضت وجودها على أجندة اجتماعات قمتها المشتركة العربية – الإسلامية، بغض النظر عن فعالية هذه المؤتمرات في وقف المجزرة ضد الشعب الفلسطيني. والأهم في هذا الصدد، أن العملية أوقفت مخطط التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي كان على وشك التوقيع، والذي لو تم لَدُقَّ المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية لأمد بعيد.
إضافة إلى ذلك، بعثت عملية “طوفان الأقصى” الروح من جديد في جسد المجتمعات الغربية، حتى في عواصم ومدن الدول الأكثر انحيازًا لإسرائيل ودعماً لها. خروج مئات الآلاف من المتظاهرين في الغرب في الشوارع والجامعات وعلى مدار السنة الماضية دعمًا لفلسطين ورفضًا للوحشية الإسرائيلية، واكتساح الأصوات المنادية بإنصاف الشعب الفلسطيني ودعمه حتى إقامة دولته المستقبلية وكنس الاحتلال الإسرائيلي، واكتساح هذه الأصوات الجريئة لكل الشاشات ومواقع التواصل الغربية، أكبر دليل وأصدق شاهد على التأثير العميق الذي أحدثته عملية “طوفان الأقصى” في الوعي الجمعي العالمي تجاه القضية، مما سيكون له أثره على متخذ القرار الغربي ولو بعد حين.
أثبتت عملية “طوفان الأقصى” أن إسرائيل ليست أكثر من نمر من ورق، تمثل “جالوت” المعاصر المدجج بالسلاح، والتي أسقطه قتيلا “داود” الجديد الفلسطيني، الذي لا يحمل إلا مقلاعا تحمله يد تتصل بقلب مؤمن بقضيته، ملتزم بمنهج ربه وبهموم شعبه. ما حدث بالفعل أن عملية “طوفان الأقصى” كشفت ضعف إسرائيل وقدرة تنظيم صغير ومحدود الإمكانيات على المس بأقدس مقدساتها “القدرة العسكرية” بكل سهولة، فكيف لو واجهت إسرائيل جبهة عريضة من دول مصممة على استنقاذ الأرض والمقدسات؟!
من المهم التأكيد هنا على أن عملية “طوفان الأقصى” جاءت في أوج انشقاق عميق في المجتمع الإسرائيلي بسبب خطط حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير لتنفيذ انقلاب دستوري كان يمكن أن يحول إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية – دينية متطرفة. جاءت العملية واحتجاز مئات الأسرى والإخفاق الأمني والسياسي ليعمق الخلافات البينية التي يمكن ملاحظتها في كل الميادين والساحات: البرلمان، الشارع، المؤسسات، الجهاز القضائي، الإعلام، الأحزاب… الخ.
كشفت عملية “طوفان الأقصى” والحرب التي تلتها أن الديمقراطية الإسرائيلية ديمقراطية هشة، رخوة ومتهافتة. الانقلاب الدستوري الذي سبق “طوفان الأقصى”، غياب سلطة القانون واستبدالها بدكتاتورية الأكثرية البرلمانية المتطرفة، اختفاء ما يسمى باليسار الإسرائيلي وطغيان اليمين المتطرف الميساني… كلها أعراض لأمراض خطيرة أصابت هياكل ما يسمى بالديمقراطية الإسرائيلية في مقتل.
ما الدور الذي ستضطلع به الحركة الإسلامية في الداخل لدعم أهل غزة خلال المرحلة القادمة؟
دعم القدس والاقصى المبارك وفلسطين واجب بل فرض عين على العرب والمسلمين في ارجاء الأرض أنظمة وشعوبا، ولن يرحم التاريخ جحافل المفرطين بحقها والعابثين بحاضرها ومستقبلها، والمقامرين بمصيرها. كما ان التاريخ سيذكر أنصارها والعاملين لها والداعمين لصمودها وصمود أهلها بكل الطرق المشروعة الممكنة.
على العالم العربي والإسلامي ان يتذكر ان هنالك جزءا من الشعب الفلسطيني قوامه 1.7 مليون يعيشون على ارض وطنهم داخل الخط الاخضر يواجهون ما يواجهون من صنوف التمييز العنصري والقهر القومي اقتضت ظروف النكبة الفلسطينية ان يحملوا الجنسية الإسرائيلية، ويشكلوا نحو 20% من اجمالي السكان في الكيان الإسرائيلي. نحن فلسطينيي الداخل جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والإسلامية ، ونحن ضلع اساس من اضلاع مثلث الشعب الفلسطيني: الداخل الفلسطيني ، الضفة والقطاع والقدس المحتلة وفي الشتات ، نحمل عبئا مضاعفا ، ونكافح في سبيل الوجود في مواجهة سياسات الترانسفير والاقتلاع الصهيونية ، وفي سبيل حماية هويتنا الدينية والوطنية والقومية.
شرفنا الله في الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ان نكون دائما في طليعة من يقفون لحماية بوابات قلعتنا الفلسطينية في الداخل وفي القدس والاقصى، وان نحمل لواء النضال المدني جنبا الى جنب مع باقي مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الداخل دفاعا عن الوجود والهوية والحقوق، واسنادا لشعبنا الفلسطيني من خلال شبكة من الجمعيات المتخصصة التي تعمل على مدار الساعة وعلى امتداد الوقت.
لا شك في أن هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الصراع على ارض قطاع غزة على وجه الخصوص تفرض علينا – رغم كل التضييقات التي فرضتها إسرائيل على مؤسساتنا وجمعياتنا المختلفة منذ السابع من أكتوبر 2023 – الاستعداد لاستئناف الاسناد الاغاثي والإنساني لأهلنا قي قطاع غزة وفي جميع المجالات الممكنة. خطط الحركة الإسلامية لهذا الغرض جاهزة، وهياكلها التنظيمية مستعدة تماما للقيام بهذا الدور الاغاثي في اللحظة التي يُسمح لها بذلك. بناء على ان جمعياتنا الاغاثية تتمتع باعتراف الأمم المتحدة فستقوم بالتعاون مع الجهات الأممية بالاستفادة من دراسات المسح الأممية التي قامت وستقوم بها لاحتياجات شعبنا في القطاع، والتي ستحدد الحركة الإسلامية بناء عليها قائمة الأولويات: استئناف مشروع كفالة الايتام، خيام وكرافانات مناسبة لايواء المشردين، الغذاء، الكساء، الدواء (خدمات طبية)، الماء، الوقود، التعليم (مدارس ورياض أطفال)، المساعدة في ترميم ما يمكن ترميمه من البيوت.. الخ… بدأت الحركة الإسلامية إضافة الى ما تم ذكره بوضع تصور لمشروع “التوأمة” والذي ستعرضه على المرجعيات الوطنية في الداخل وفي قلبها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية (برلمان العرب في الداخل)، والذي تطمع الحركة الإسلامية ان تشارك في تنفيذه كل المدن والبلدات العربية.. خلاصة هذا المشروع تتحدد في وضع خريطة للمناطق المنكوبة في قطاع غزة والتي تفتقر أكثر من غيرها لأبسط مقومات الحياة، وعقد توأمة بين هذه المخيمات/الاحياء/ وبين مدننا وقرانا، حيث سيتبنى سكان هذه المدن والقرة في الداخل ما يوازيها في قطاع غزة، وتقديم ما يمكن تقديمه لها لتحسين أوضاعها المعيشية قدر المستطاع…
نحن واعون تماما الى اننا لن نستطيع حل مشاكل القطاع فهي اكبر بكثير من إمكانيات مجتمعنا في الداخل، الا اننا على ثقة انه وبرغم الأوضاع التي نعيشها سنجد كما وجدنا في السابق الاستعداد غير المحدود من قبل أهلنا لمد يد المساعدة لأهلنا المنكوبين في قطاع غزة قدر المستطاع.
ما هي رؤيتكم لكيفية استثمار هذه التطورات لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية؟
الحقيقة أنني لست متفائلاً من إمكانية التوصل لوحدة وطنية فلسطينية تجمع تحت رايتها كل الأطياف السياسية وتصوغ برنامجًا سياسيًا يحقق للشعب الفلسطيني آماله في الاستقلال وكنس الاحتلال، وذلك لأسباب تراكمت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو وحتى عملية “طوفان الأقصى”…
تَعْبُرُ سفينة القضية الفلسطينية في هذه الأيام في مرحلة دقيقة… الإنجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية في وجه العدوان الإسرائيلي، يواجه تحديات من الداخل ومن الخارج… يمكن أن يكون الإنجاز الذي تحقق في غزة بكل المعايير وبالرغم من النتائج المأساوية للعدوان الإسرائيلي الوحشي عليها، رافعة لمزيد من الوحدة الفلسطينية والإنجازات السياسية والميدانية، ويمكنه أيضًا أن يكون سببًا في انتكاسة جديدة تعيد الملف الفلسطيني إلى الدائرة المفرغة ودوامة اللاحل التي تسعى إسرائيل لتكريسها في فلسطين المحتلة سواء كان ذلك في القطاع أو الضفة أو القدس.
كل شيء متوقف على مدى استيعاب القيادة الفلسطينية في رام الله أساسًا لضرورة التمسك بالمطالب الفلسطينية المشروعة بعيدًا عن الاعتبارات الفصائلية والصراع على السلطة الذي يُغَذِّيِهِ عداءُ المُكَوِّن العلماني غير المبرر في أمتنا ضد الاتجاه الإسلامي الذي يسعى للمساهمة في البناء والتنمية من خلال قناعاته وبرامجه، وفي إطار اللعبة الديمقراطية التي من المفروض أن يحتكم إليها الجميع دون غيرها على اعتبارها الأداة الوحيدة لتداول السلطة السلمي لمصلحة الكل الفلسطيني والعربي والإسلامي…
ازداد الوضع تعقيدًا بعد عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من حالة استقطاب اتسمت بعداء سافر لم تخفه السلطة الفلسطينية وحركة فتح حيال حماس أساسًا. اتهمت السلطة الفلسطينية وحركة فتح حركة حماس بالمسؤولية الكاملة عن حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وبذلك وقفت في خندق واحد مع الاحتلال وحلفائه من العجم والعرب.. وصلت حالة الاستقطاب درجة شنت معها السلطة الفلسطينية حربًا على مخيم جنين بالتنسيق الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي بينما لم تطلق رصاصة واحدة على الاحتلال وعصاباته من المستوطنين الذين يعيثون في الأرض الفلسطينية فسادًا وخرابًا وإجرامًا…
سلطة رام الله أصبحت مطية تقودها إسرائيل لتحقق من خلالها مصالح الاحتلال تحت غطاء مفاوضات واتفاقات باتت غطاءً فاضحًا لتمرير مؤامرات إسرائيل وخططها.. ساعد في ذلك طغيان نَفَسِ الاستبداد والفساد الذي استفحل حتى سكن كل مفصل من مفاصل هذه السلطة، ابتداءً من انغلاق الأفق السياسي مع إسرائيل، مرورًا بتحول السلطة إلى مجرد وكيل لإسرائيل في إدارة احتلالها في فلسطين من خلال أجهزة تعفنت بسبب سوء الإدارة والفساد الإداري والأخلاقي، وأصابتها بعقدة النقص بسبب قلة حيلتها حيال الاحتلال الصهيوني الذي أطلق لنفسه العنان في تنفيذ ما يشاء من سياسات تخدم مصالحه دون أدنى اعتبار مهما كان نوعه لمصالح الشعب الفلسطيني الكبرى والصغرى، وانتهاءً بقرار الرئيس (أبو مازن) تحويل فلسطين إلى إمارة أو إقطاعية خاصة له ولفصيله السياسي، حتى ما عادت هنالك مؤسسات معتبرة لا تشريعية ولا تنفيذية ولا قضائية ولا أهلية…
ما من شك في أن عملية “طوفان الأقصى” قد كسرت حالة الجمود التي سادت لعقود مضت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو، وحركت بوصلة العالم ومؤسساته السياسية والقضائية في اتجاه القضية الفلسطينية، وحشدت الرأي العام في عواصم من العالم عموماً والغرب خصوصًا من وراء القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وكنس الاحتلال مرة وللأبد.
أمام هذا الواقع الجديد الذي من المفروض أن تستثمره السلطة الفلسطينية وحركة فتح من أجل المساهمة مع كل أطياف الشعب الفلسطيني في صياغة رؤية جديدة توحد الشعب الفلسطيني أولاً، وتحشده من وراء برنامج سياسي كفاحي يرتقي إلى مستوى اللحظة ويستجيب لواقع الشعب الفلسطيني الحقيقي لا المتوهم، نرى السلطة الفلسطينية وحركة فتح مصرة على أن تظل أسيرة اتفاقات أصبحت الغطاء الذي تستغله إسرائيل من أجل القضاء على القضية الفلسطينية برمتها، وشطب ملفها من على جدول أعمال المجتمع الدولي، وإسقاطها من ذاكرة شعوب الأرض تمهيدًا لبسط سيادتها على كامل أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.
من أجل الخروج من هذا النفق المظلم لا بد أن تتخذ السلطة الفلسطينية وحركة فتح القرار الصحيح والذي يمكن تحديد ملامحه كما يلي: أولاً – شراكة حقيقية بين كل فصائل الشعب الفلسطيني وعلى قدم المساواة وتحت سقف مؤسسة وطنية بعيدًا عن سياسة الاستحواذ والاستقواء. ثانيًا – أن ينسى أبو مازن وحركة فتح، أمريكا وإسرائيل عند جلوسهم إلى طاولة مفاوضات الوحدة الوطنية، وتقديم المصلحة الفلسطينية العليا على أي اعتبار آخر. ثالثًا – عقد مؤتمر لإنقاذ فلسطين يلتقي تحت سقفه كل ممثلي الشعب لاختيار قيادة جديدة، وتبني برنامج سياسي جديد يرفض التعامل مع الاحتلال إلا في الحد الأدنى، ويقود الشعب الفلسطيني في تحرك منظم يكلف الاحتلال ثمناً باهظاً مادياً ومعنوياً وسياسياً، رابعًا – إعادة ترتيب أوضاع المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك تنظيم انتخابات شاملة، رئاسية، وتشريعية للمجلسين التشريعي والوطني الفلسطيني بنظام التمثيل النسبي الكامل، ودعوة المجلس للانعقاد في مكان يتم التوافق عليه وطنياً. خامسًا – أن تتحمل الأمة العربية المسؤولية الكاملة عما سيترتب على هذا التوجه من نتائج مالية وسياسية. سادسًا – تجديد البيعة للثوابت الفلسطينية وتحديد جدول زمني لتحقيقها، وإلا يجب أن يكون الشعب الفلسطيني (خطة بديلة) تقلب الطاولة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتفرض قواعد لعبة جديدة ترسم خريطة الشرق الأوسط من جديد…
رفض الشعب الفلسطيني وقيادته لهذا الواقع فعلاً وقولاً من خلال خطط شاملة تحظى بالالتفاف الشعبي الشامل والكامل، وتحت راية وطنية واحدة، وتحويل الاحتلال إلى احتلال مكلف جدًا، كفيل بإفشال خطة نتنياهو هذه تمامًا كما فشلت خططه بعد 14 شهراً من حرب الإبادة على قطاع غزة.