في ظل المساعي الدولية والإقليمية الحثيثة لتهدئة الأوضاع في غزة ووضع حد للعدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023، تبرز المملكة المغربية كأحد اللاعبين الرئيسيين في هذا الملف.
باعتبارها تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الذي يرأس لجنة القدس، أشادت المملكة المغربية بالتقدم الملموس الذي أُحرز في اتفاق وقف إطلاق النار.
ويأتي ذلك وسط تفاؤل حذر بإمكانية إرساء سلام دائم يضع حدًا للعنف ويمنح المدنيين الأمان المنشود.
ووفقًا لبلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أكدت المملكة دعوتها للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى استثمار هذه الفرصة وإظهار التزام صادق نحو تحقيق سلام بعيد عن المآرب المصلحية والظرفية.
كما شددت على ضرورة احترام الاتفاق بشكل كامل لضمان عودة النازحين، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بكميات كافية وبسهولة، في مشهد يُعيد الأمل لأهالي غزة بعد أسابيع من المعاناة المتواصلة.
ووصف الخبير في العلاقات الدولية عباس الوردي، في حديثه للجريدة 24، اتفاق وقف إطلاق النار بأنه نقطة تحوّل حيوية، ليس فقط على مستوى وقف القتال بل كبادرة نحو بناء عملية سياسية شاملة تهدف إلى معالجة جذور النزاع.
وأكد الوردي أن هذا الاتفاق يُظهر إرادة الطرفين في التوقف المؤقت عن المواجهات المباشرة، ما يمثل بادرة أمل لكنها تحتاج إلى جهود مضاعفة لترجمتها إلى خطوات ملموسة نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأشار الوردي إلى دور المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، في دعم جهود السلام، موضحًا أن المواقف المغربية تتمحور حول تعزيز الحوار والوساطة، سواء عبر جهودها المباشرة أو عبر دعم المبادرات الدولية.
وأشاد بدور الدبلوماسية المغربية، التي يقودها الوزير ناصر بوريطة، في تقريب وجهات النظر، وحقن الدماء، ووضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي.
وأضاف أن أي جهد يُبذل اليوم يجب أن يرتكز على ضمانات دولية للحفاظ على هذا الاتفاق، مع إشراك أطراف رئيسية في الوساطة مثل قطر ومصر والأردن، إلى جانب رعاية أممية تهدف إلى ترسيخ السلام الدائم.
وأكد أن أهمية التركيز على البعد الإنساني يجب أن تكون في صميم أي حل مطروح، بدءًا من إدخال المساعدات إلى غزة بشكل عاجل وضمان إعادة إعمار البنية التحتية المنهارة.
المملكة المغربية، بدورها، تؤكد أن أي عملية سياسية جدية يجب أن تركز على حل الدولتين وفق حدود عام 1967، مع الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. وهذه النقطة حاسمة لإحياء الحوار وبناء جسور الثقة التي غابت لسنوات بسبب التوترات المتصاعدة.
وشدد الخبير الوردي على أن الاستقرار في غزة لن يتحقق إلا عبر خارطة طريق مدروسة تدعمها جهود دولية جماعية.
وحسب ذات المتحدث، فإن هذه الخارطة يجب أن تعالج القضايا الإنسانية العاجلة، كإدخال المساعدات، وعودة اللاجئين، وخلق آليات واضحة لمراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار.
كذلك، وفقا للمتحدث ذاته، يجب أن تأخذ هذه المبادرات بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، بهدف خلق مناخ يمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين من تجنب السيناريوهات المأساوية السابقة.
وأشار الوردي إلى أن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار لا يرتبط فقط بإيقاف المواجهات العسكرية، بل يتطلب شراكة سياسية وأممية جادة لمعالجة الخلافات المزمنة بين الطرفين، مع ضمان حقوق الفلسطينيين المشروعة التي تكفلها القوانين الدولية.
كما دعا إلى “أنسنة” النزاع بما يضمن احترام حقوق الإنسان ووضع حد نهائي للجرائم الجماعية التي عانى منها المدنيون على مدار عقود.
وأضاف أن استدامة السلام تتطلب إرادة سياسية قوية من مختلف الأطراف المعنية، فضلًا عن آليات إشراف ومتابعة جدية من قبل المجتمع الدولي، مؤكدًا أن غياب هذه العناصر قد يؤدي إلى تكرار السيناريوهات السابقة التي أحبطت فرص السلام وأبقت المنطقة في حالة توتر دائم.
بهذا، يُجمع المراقبون أن الاتفاق الحالي لوقف إطلاق النار يشكّل لحظة فارقة، يمكن أن تكون بداية لإنهاء عقود من النزاع إذا ما أُحسن استثمارها بشكل واعٍ ومسؤول.
فهل ستكون هذه الخطوة المدخل إلى السلام المستدام، أم أن مخاطر الانهيار لا تزال قائمة؟ الأيام المقبلة ستكشف مدى نجاح هذه المبادرة الإنسانية والسياسية في تحقيق اختراق حقيقي لصالح المنطقة والعالم.