محمد عفري
على بُعد أقل من شهر ونصف الشهر من حلول رمضان الفضيل، تلتهب قفة المواطن المغربي على غير المعهود..
في عام قاحط واستثنائي، يتمِّم سلسلةَ سبْع سنوات من “الجفاف”؛ بلا تساقطات مطرية؛ يبقى التفكير من الآن مُنصبّا على مآل هاته القفة والحال التي ستكون عليه في شهر مبارك يرتفع فيه الطلب على الاستهلاك وعلى المواد الغذائية، وبالخصوص تلك التي تؤثث يوميا مائدة المواطن المغربي، من الإفطار إلى السحور، مرورا بوجبة العشاء..
اللحوم الحمراء ولحوم الدجاج والأسماك أصبحت حديث الساعة بالأسعار التي بلغتها في سابقة تاريخية بالمغرب المستقل، نتيجة سياسات وبرامج حكومة أخنوش التي انهزمت أمام أباطرة التحكم في قطاع المواشي والدواجن وأعلافها واستيرادها والأسماك ومصايدها، قبل انهزامها أمام عائق التغيرات المناخية ونُدرة التساقطات والجفاف بصفة عامة..
أمام صمت الحكومة ودهشة المواطن، تواصل أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك وفي مقدمتها سمك الفقراء؛ “السردين” ارتفاعاتها في الأسواق المغربية، ما يطرح تساؤلات عدة حول نجاعة نتائج مخطط المغرب الأخضر والسلاسل الإنتاجية، قبل تساؤلات أخرى تتعلق بمدى نجاعة استراتيجية المراقبة الموسمية للأسواق التي تتغنى بها الحكومة وتتشدّق كل عام، ما يطرح تساؤلات ثالثة أكثر إلحاحا حول “هوية” هذه الأسعار خلال رمضان الفضيل المرتقب، إذا ما علمنا أن أسعار الخضر والفواكه بأسواق الجملة، انضمت بدورها إلى سلسلة الارتفاعات المتواصلة هذه، مؤثرة على الأسعار بالتقسيط تأثيرا مباشرا في قفة المواطن المغربي في مشهد أكثر حدة من العام الماضي وما قبله، حيث يدفع هكذا وضْع كل سنة، إلى إعلان الحكومة عن استراتيجيتها الموسمية لضمان التموين ومراقبة الأسعار بالأسواق؛ وهل ينفع إعلان وفرة التموين وغيرها في استقرار الأسعار حتى لا نقول في انخفاضها، بل هل يسعف هذا الإعلان في قدرة شرائية لـ”قفة غذائية” شاملة، غير مكلفة، تدخل في إطار العيش الكريم وضمان “الكرامة الغذائية”…
لا شك أن إعلان الحكومة عن وفرة تموين الأسواق ومراقبة الأسعار
كخطوة موسمية تتخدها كل سنة، ما هي إلا تفسير واضح لعدم قدرتها على تشديد المراقبة طول السنة، من جهة، ومن جهة ثانية عدم قدرتها على الخروج من “منطق” التبجح و”الدعاية الموسمية” التي تحفظ ماء وجهها أكثر مما “تزينه” جراء تحملها المسؤوليات الجسام في توفير المواد الغذائية للمواطن على امتداد العام دون أدنى تلكؤ وبلا مبررات..
من غير المنطقي ولا المقبول في مغرب فلاحي عمّر فيه مخطط المغرب الأخضر قرابة ست عشرة سنة أن يبلغ فيه سعر الدجاج قرابة ثلاثين درهما للكيلوغرام لأسباب يربطها المهنيون بظروف وتكاليف الإنتاج وسعر الكتكوت المستورد والضريبة المفروضة عليه و..و… ومن غير المنطقي ولا المقبول أيضا أن تبلغ فيه أسعار اللحوم إلى مائة وعشرين درهما للكيلوغرام في وقت نتحدث عن نجاعة السلاسل الإنتاجية ووفرة القطيع ثم نربط ارتفاع الأسعار بضرورة الاستيراد مع الإبقاء على نفس أسماء المستوردين والفاعلين في قطاع اللحوم رغم” الفشل” الذي رافقهم في تدبيره وتسييره على حساب جيب وراحة ونفسية المواطن المستهلك..
من غير المنطقي ومن غير المقبول أن تلتهب أسعار الأسماك مرتفعة إلى مستوى “يقهر” المواطن المغربي، في مغرب بواجهتين بحريتين، يتعدى طول سواحله الثلاثة آلاف كيلومتر ومستوى الصيد والتفريغ في تزايد مُطَّرد على أساس سنوي.. نعم! من غير المنطقي ولا المقبول أن يربط المسؤولون ارتفاع أسعار الأسماك وندرتها بالراحة البيولوجية، في وقت يستمر فيه الغموض حول خطط حكومة أخنوش لحفظ حق المواطن المغربي في الحد الأدنى من تناوله يوميا وجبة من السمك على مائدته الغذائية، كما يستمر الغموض تُجاه برامج ومخططات لخفض أسعار اللحوم الحمراء وآثار حملات الاستيراد.
إذا كان الإجماع على أن استراتيجية المراقبة الموسمية للأسواق المعلنة كل سنة من قِبل الحكومة؛ تبقى فاشلة ودون نجاعة تُذْكَر؛ فإن الوضع الراهن يستوجب من حكومة أخنوش الخروج بحلول استراتيجية مستدامة وليست لحظية موسمية، خاصة في ظل تكراره كل سنة، إذِ الواجب والمنطقي هو استراتيجية لمراقبة مستمرة من لجان الحكومة للأسواق، وضبط مخالفات الأسعار، التي وصلت إلى مستويات غير مقبولة في غالبية المواد الأساسية التي يحتاجها المستهلك المغربي، لكي لا تبقى حكرا فقط في رمضان، بل على طول السنة خصوصا أن هناك قانونًا يؤطر حرية المنافسة، يستوجب تدقيقه بما يحمي القدرة الشرائية للمواطن، علما أن المراقبة الموسمية للأسواق المرتقب أن تعلنها الحكومة مجددًا قبل رمضان ستكون غير فعالة طالما لم يتم وضعُها ضمن استراتيجية مستدامة، وبطابع من الوزن الزجري الصارم..
الواضح أن إجماعا على أن معضلة الأسعار التي يعيشها المغرب في غالبية المواد الضرورية التي يحتاجها المواطن مرتبطة بأزمة الرقابة، ورمضان الوشيك سيعرف لا محالة تراكمًا جديدًا للأسعار وهو أمر “صعب” بالنسبة إلى المواطن، لأن الارتفاعات في الأسعار ليست مرتبطة أساسًا بفترة دينية موسمية، بل بغياب الرقابة من الحكومة على الأسعار لأسباب تتعلق بسعيها إلى تغطية الإنفاق على الأوراش المفتوحة.. بمعنى أن المواطن هو من يؤدي ثمن كل هذه الأوراش عبر العديد من “القنوات”، أولاها قناة ارتفاع الأسعار وعدم مراقبتها دون معاقبات زجرية وثانيتها الضرائب المتنوعة على كل المواد، وعلى الاستهلاك بصفة عامة..