تزداد المخاوف من عودة سنوات التقشف القاسية في المملكة المتحدة، حيث شهد السوق المالي اضطرابات الأسبوع الماضي أعادت إلى الأذهان الأزمة المالية لعام 2008، مما زاد الضغوط على الحكومة العمالية الحالية.
وكشفت أرقام ن شرت الأسبوع الماضي عن ارتفاع تكلفة الاقتراض العام إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 1998، بالتزامن مع انخفاض مقلق في قيمة الجنيه الإسترليني وتراجع ثقة الشركات.
وجاءت هذه الأخبار السلبية لتثقل كاهل حزب العمال، الذي يحاول منذ وصوله إلى السلطة عقب الانتخابات التشريعية الصيف الماضي إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح.
ويبدو أن هامش المناورة أمام حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر يضيق لتنفيذ برنامج التغيير الذي أوصل هذا الحزب الوسطي التوجه إلى السلطة بعد 14 عاما في المعارضة، وفقا لتحليلات الخبراء في المركز المالي بلندن.
وبعد انتقاده “الإرث السيئ” الذي خلفه المحافظون، قدم حزب العمال في أكتوبر الماضي ميزانية تضمنت زيادة غير مسبوقة في الضرائب والاشتراكات الاجتماعية على الشركات. ورغم جرأة هذه الإجراءات، إلا أنها أثارت مزيدا من المخاوف وأضعفت ثقة الأوساط الاقتصادية.
لكن هذه التدابير القاسية وغير الشعبية على ما يبدو ليست كافية لمعالجة الأوضاع المالية لدولة ت عتبر من بين الاقتصادات الكبرى عالميا.
ومن جانبها، واصلت ريتشيل ريفز، أول امرأة في تاريخ المملكة المتحدة تتولى حقيبة المالية ذات الأهمية الاستراتيجية، التأكيد على ضرورة خفض الإنفاق العام لتحسين المالية العامة وتمهيد الطريق لعودة البلاد إلى سنوات الازدهار التي شهدتها خلال حكومة “العمال الجدد” برئاسة توني بلير (1997-2007).
ويوم الاثنين، جدد رئيس الوزراء كير ستارمر، خلال إطلاق خطة وطنية لتطوير الذكاء الاصطناعي في شرق لندن، التزام حكومته بسياسة الانضباط المالي. وأكد أن وزارة الخزانة ستكون “حازمة” في خفض الإنفاق العام لتحقيق الأهداف الحكومية.
وقد لاقت تصريحات ستارمر صدى واسعا في منطقة “السيتي”، المركز المالي للعاصمة، حيث فسرها المحللون بأنها تعكس تحولا عن الوعود السابقة بتجنب سياسة التقشف.
وعقب هذه التصريحات، سارع مسؤولون من “داونينغ ستريت” إلى طمأنة الرأي العام بأن أي تخفيضات جديدة في الإنفاق لن تصل إلى مستويات توصف بـ”التقشف”. ومع ذلك، يتوقع الخبراء الاقتصاديون المزيد من التخفيضات في الميزانية، نظرا للوضع الاقتصادي المتدهور واحتمال تفاقم التحديات الجيوسياسية خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا السياق، صرح مارتن ويل، العضو السابق في بنك إنجلترا، بأن الحكومة “قد تلجأ إلى تدابير تقشفية إذا لم يتحسن الوضع في الأسواق”.
ووفقا للمحللين، فإن عودة التقشف ستكون ضربة قاسية لحزب العمال، الذي وعد بتحقيق استقرار اقتصادي وقطع الصلة بسياسات الحكومة المحافظة السابقة، التي تركت الاقتصاد في “حالة هشة”، وفقا لمعهد الأبحاث (The Institute for Government).
ويتذكر البريطانيون التأثيرات السلبية لسياسات التقشف التي طبقها الحزب المحافظ بعد وصوله إلى السلطة في عام 2010. وخلص مكتب مسؤولية الميزانية، وهو هيئة مستقلة لتقييم السياسات الاقتصادية، إلى أن هذه السياسات أدت إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 بالمائة بين عامي 2010 و2012.
ويرى الباحث سيمون ورين لويس من جامعة أكسفورد أن كلفة هذه السياسات بلغت حوالي 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكشفت دراسة أجراها مركز الاقتصاد الكلي أن ثلثي الاقتصاديين البريطانيين يرون أن التقشف أضر بالاقتصاد.
ورغم التحديات المتزايدة، حاول كير ستارمر، خلال ظهوره يوم الاثنين، تأكيد عزم حكومته على تحقيق النمو. وأكد أن “النمو الاقتصادي هو أولويتنا الأولى، والحكومة ستجري التغييرات اللازمة وستنفذ الاستراتيجية الصناعية المناسبة لتعزيز النمو”.