في كل عام، ومع حلول رأس السنة الأمازيغية، تتجدد الفرصة للاحتفاء بالإرث الثقافي الغني للأمازيغ وتقييم المسار الذي قطعته هذه اللغة والثقافة في سبيل الاعتراف والتثمين، فمنذ الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد السادس في أجدير عام 2001، الذي شكل نقطة تحول في تاريخ الأمازيغية بالمغرب، قطع هذا المسار شوطا كبيرا، وتوج بتنصيص الدستور على الأمازيغية كلغة رسمية، ورغم هذه الإنجازات، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لترسيخ مكانة الأمازيغية في جميع مناحي الحياة العامة والخاصة، وضمان حصول الناطقين بها على حقوقهم الكاملة.
لم يتوقف مسار الاعتراف والتثمين بالأمازيغية عند ترسيمها لغة رسمية في الدستور، بل تطلب الأمر جهودا مضنية لوضع الآليات الكفيلة بترجمته إلى واقع ملموس، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة خطوات مهمة في هذا الاتجاه، من خلال اعتماد قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإعلان رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية، ومع ذلك، تبقى هناك تحديات كبيرة تتطلب مواجهتها من أجل تحقيق الإدماج الكامل للأمازيغية في جميع مناحي الحياة العامة.
عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، ياسين أخياط، أكد في تصريح لـ”العمق”، أن المغرب قطع مسارا هاما في تثمين الثقافة الأمازيغية والمصالحة مع الذات، مضيفا أن الهوية الأمازيغية تعد مكونا أساسيا للثقافة المغربية، غير أن التحديات التي تواجه إدماجها في الفضاء العام ما زالت قائمة.
وأوضح أخياط أن هذا المسار بدأ منذ أواخر الستينيات، مشيرا إلى أن تطور الوعي بالهوية الأمازيغية بين المغاربة كان نتاجا لمخاض مغربي خالص، بعيدا عن أي تأثير خارجي، كما مثلت محطة ترسيم اللغة الأمازيغية سنة 2011 خطوة حاسمة، إلا أنها ظلت، حتى الآن، رمزية أكثر من كونها عملية.
وأشار إلى أن مرور 21 عاما على إدراج الأمازيغية في التعليم لم ينجح في تخريج أساتذة وأطباء وغيرهم من المهنيين الذين يتقنون كتابة وتحدث الأمازيغية باستخدام حرف تيفيناغ، معتبرا أن الإحصاءات الأخيرة التي تشير إلى ضعف الفعالية في إدماج الأمازيغية مؤشر مقلق على الفشل، رغم وجودها القانوني والمؤسساتي.
وأشاد أخياط بالدور الجبار الذي قام به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من حيث إنتاج الوسائل اللازمة لتفعيل الأمازيغية، لكنه انتقد غياب التنفيذ الفعلي بسبب تقاعس الحكومات المتعاقبة منذ بداية الألفية، مشيرا إلى وجود الحاجة الملحة لسياسات عمومية فعالة تضمن إدراج الأمازيغية في الفضاء العام وتحقق المصالحة مع هذا المكون الهوياتي.
وشدد أخياط على أن إدماج الأمازيغية لا يقتصر على المجال اللغوي، بل يشمل الجوانب الإدارية والمؤسساتية، مؤكدا أن عدم وجود كفاءات مدربة يمثل عائقا كبيرا أمام تقعيد الأمازيغية، معتبرا أن غالبية التكوينات في هذا المجال محصورة في وزارة التربية الوطنية، ما يؤدي إلى عجز خطير في الكوادر المؤهلة.
وأضاف الفاعل المدني أن غياب رؤية واضحة ضمن السياسات العمومية وانعدام التنسيق بين الإدارات المختلفة يعوق تفعيل الأمازيغية، مؤكدا أن الموارد المالية المرصودة لتطوير اللغة والثقافة الأمازيغية غالبا ما تفتقر إلى التوجيه الصحيح، داعيا إلى اعتماد مقاربة أفقية وشاملة تضمن تعليم الأمازيغية لكل المغاربة.
وختم أخياط تصريحه بالتأكيد على أن الأمازيغية يجب أن تكون في صلب البرنامج التنموي المغربي، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية ومكونا ثقافيا يحمل رمزية خاصة لدى المغاربة، إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية حقيقية لتجاوز التحديات وتحقيق المصالحة مع الذات الثقافية.
وفي إطار جهودها لتعزيز استخدام الأمازيغية وتفعيل طابعها الرسمي، تبنت الحكومة المغربية خطة عمل شاملة، حيث تم رفع الميزانية المخصصة لهذا المشروع من 200 مليون درهم في عام 2022 إلى 300 مليون درهم في عام 2023، مع هدف بلوغ مليار درهم بحلول عام 2025.
وشملت الإجراءات توفير خدمات باللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية عبر تأهيل مئات الموظفين، وإدراج اللغة في لوحات الإرشاد بالمؤسسات الرسمية، إضافة إلى إطلاق خدمة التواصل الهاتفي بالأمازيغية في مراكز اتصال متعددة تخدم قطاعات حكومية مختلفة، مما يعكس التزام الدولة بإدماج الأمازيغية عمليًا في الحياة العامة.
وحسب المعطيات المتوفرة فإن الأمازيغية تدرس حاليا في 1803 مؤسسة تعليمية ابتدائية، وهو ما يمثل 31% من إجمالي هذه المؤسسات، فيما تطمح الوزارة إلى توسيع نطاق التعليم ليشمل 50% من المدارس الابتدائية بحلول العام الدراسي 2025/2026، وصولا إلى التعميم الكامل بحلول 2029/2030.
جدير بالذكر أنه وفي “خطوة تاريخية”، اعتمد المغرب رسميا يوم 14 يناير كعطلة وطنية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، هذا القرار الذي جاء في مايو 2023، اعتبرها المهتمين بالثقافة الأمازيغية أنها تمثل اعترافا رسميا بالثقافة الأمازيغية ويساهم في تعزيز هوية المغرب المتعددة.