بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975 وما لها من دلالة ، والتي ناضلت الحركة الأمازيغية من أجل ترسيمها مند عقود، يمكن اعتبار سنة 1967 كتاريخ تأسيس ” الجمعية المغربية للتبادل الثقافي” بداية الحديث، وإن كان محتشما، من طرف مؤسسيها ورفاقهم عن الثقافة الأمازيغية ببلدنا، وما تلا ذلك من تناسل مئات الجمعيات المهتمة ( ما يفوق من ألف جمعية) والتي يدور الحديث والأسئلة في الخطاب الاحتجاجي للحركة الأمازيغية حول ثلاثة أسئلة متداخلة فيما بينها : الأرض، التاريخ ، اللغة والثقافة والهوية.
حولت الحركة الأمازيغية الديمقراطية وروادها التاريخ إلى “مجال للتذكير بالمرحلة المنسية من التاريخ الرسمي للمغرب” والمبعد قسرا عن المقررات الدراسية الرسمية” في محاولة لإعادة النظر في أسطورة ميلاد الدولة المغربية المقترنة على مستوى الخطاب الإيديولوجي بلحظة دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا”، هذا الأمر يتطلب إعادة صياغة تاريخ المغرب كضرورة علمية.
إن سؤال تاريخ المغرب الحقيقي يجب أن يفتح للنقاش والتداول العموميين حوله، خاصة وأن مصادر ومراجع التاريخ الرسمي المغربي هي مراجع إما برانية أو استعمارية أو مخزنية، فالمغاربة يجهلون تاريخهم ولا يعرفون منه إلا ما روي عنه في عهد قرطاجة وعهد روما وعهد “بيزانتا ” من طرف الفينيقيين واليونان والرومان أنفسهم، كما يجهلون هذا التاريخ في عصور الإسلام الأولى عدا ما رواه المؤلفون العرب، كما لا يعرفون تاريخهم في العصر الحديث غير ما رواه المؤرخون المقربون من السلطة المركزية أو أعوانها، تماما كما لا يعرف المغاربة المقاومة المسلحة التي تصدت للفرنسيين بين 1912 و1934 إلا ما رواه الفرنسيون وكتبوه. فالتاريخ الفعلي يؤكد على الإسهامات المهمة للأمازيغيين في بناء أسس الحضارات الكبرى التي شهدتها ضفتا البحر الأبيض المتوسط.
إن الوقوف في وجه تحريف التاريخ المغربي واجب وأمانة علمية، بعيدا عن الروايات المؤدلجة والعبثية التي ما فتئت الأبحاث العلمية الأثرية تفنذها: فما دونه المؤرخ الرسمي المغربي حول الأصول اليمنية للأمازيغ، ورد “أصل الأمازيغيين إلى أوربا” من طرف بعض المؤرخين الأوربيين مردود عليهما لكون كلا الرأيين مبنيان على خلفيات أيديولوجية وسياسية.
فمن الإجحاف و العبث البحث ” للأمازيغ” عن “مواطن أصلية” غير شمال إفريقيا التي نشأوا فيها لملايين من القرون، ومثل من يقول بهذا كمثل من يبحث مثلا لقدماء المصريين ولليمنيين أنفسهم وللعرب كافة وللصينيين وهنود الهند والسند عن “مواطن أصلية”.
لقد ترسخت في الأذهان أفكار “غير ذات أساس علمي” ، بدت للبعض كمسلمات، عن دونية اللغة الأمازيغية وقدسية اللغة العربية، بالرغم من أن الواقع التاريخي الملموس يسجل وظيفة الأمازيغية في ارتباطها بالمقدس وتوطين الإسلام الشعبي بالمغرب وتعميق الوعي ” العقلاني” الديني عموما، لذا يجب الاهتمام بها دون توجس من خلق مشاكل سياسية للأمة المغربية، فهي ” تراث للوطن بأكمله” وجب الحفاظ عليه كواجب مشترك للدولة والمجتمع.
وبالمناسبة، والمناسبة شرط، فإن القضية الأمازيغية لم تنل، للأسف، حقها في الترافع الفكري والسياسي وسط التنظيمات اليسارية، التقليدية منها والجديدة، عموما، ذلك لكون اليسار سليل الحركة الوطنية تشكل، بعد الاستقلال المنقوص، في لحظة تاريخية دقيقة ليجد نفسه مرتبطا عاطفيا بالقومية العروبية، وبقي على حاله بالرغم من خفوت التيار القومي مع بداية السبعينيات من القرن العشرين، واستمرار منحنى تراجعه، عموما، إلى غاية اليوم.
وبالرغم من المشاركة القوية المشهودة للشباب الأمازيغي في المقاومة ضد الإستعمارين الفرنسي والاسباني والإيطالي من أجل الإستقلال وانخراط قياداته في صفوف القوى اليسارية والديمقراطية، بقيت “المسألة الأمازيغية” مهمشة في برامج اليسار، وكانت الرؤية والتأويل الخاطئين لمسألة التدين الإسلامي عاملا مساعدا على ذلك التهميش.
استمرت التنظيمات اليسارية والديمقراطية على نفس التوجه العام التهميشي، خارج أية مراجعات حقيقية، سواء المرتبطة منها، سياسيا أو ثقافيا، بالشرق العربي أو بالقطب الشرقي العالمي المنهار مع جدار برلين على حد سواء. ومع تشكل اليسار الجديد في بداية السبعينيات من القرن العشرين، بقيت الممارسة السياسية لقطبي اليسار ” التقليدي” و “الجديد” بالعلاقة مع القضية الأمازيغية عموما على ما هي عليه لعدة عوامل فكرية وسياسة وتنظيمية.
لم يسعف ” التحليل الملموس للواقع الملموس” مكونات اليسار الجديد التي تنهل، بتفاوتات، من الماركسية اللينينية، من استدراك النقائص ومراجعة الموقف اتجاه القضية الأمازيغية، واستمرت على القناعة المترسخة لدى اليساريين بأن الصراع في المجتمعات ” صراع طبقي” وليس ” صراعا لغويا أو هوياتيا” ذلك خارج أي اجتهاد، وقد ساعد، في ذلك، تواجد بعض القيادات أسيرة الموقف العروبي السابق على رأسها. أما اليسار سليل الحركة الوطنية فبقى يتأرجح بين الموقف الانتخابي الانتهازي وبين التوجس والخوف من تجاوز الخطوط الحمراء للإستبداد.
وبالتالي بقيت القضية الأمازيغية مهمشة، في العمق، وخارج الأجندات السياسية لليسار بقطبيه القديم والجديد، تاركا فراغا سياسيا مهولا استغله التوجه اليميني الرجعي الإنتهازي ببعديه السياسي والمدني للمتاجرة الإنتخابوية من جهة، ولاستفراد الإستبداد بتدبير القضية الأمازيغية على الأصعدة المؤسساتية واللغوية والتعليمية والإعلامية من جهة أخرى.
أسكاس إفولكين اعزان لكل المغربيات والمغاربة الأحرار
* قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد