تتشبث الأسر الريفية بعادات وتقاليد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الذي يرتبط بالأرض والزراعة والتاريخ، وتتمثل في إعداد مأكولات خاصة وارتداء ألبسة تقليدية ترمز للهوية الأمازيغية.
لهذه الطقوس نكهة خاصة تختلف بمنطقة الحسيمة عن نظيراتها بباقي جهات المملكة، وإن كان يجمع بين هذه الاحتفالات التمسك بالتراث والتقاليد الأصيلة التي تعود لأزمنة ضاربة في القدم.
وتقول فاطمة الزهراء الوزاني، رئيسة جمعية الأمل للتنمية النسائية ببني يطفت ـ سنادة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها متشبثة بعادات وطقوس هذه المناسبة، حيث تحرص على ارتداء الأزياء الأمازيغية الريفية الصنهاجية التراثية، من بينها ما يصطلح عليه ب” التفين”، وهو شبيه ب “التكشيطا”، وهو زي بسيط الشكل وأصيل ويشد بحزام رقيق، كما يوضع منديل مفتوح اللون عن المنديل الأحمر فوق “التفين”، فضلا عن وضع الحلي التقليدية، مبرزة أن ممارسة هذه الطقوس كل سنة يساهم في غرس العادات لدى الأجيال الصاعدة.
أما بخصوص المأكولات، تسرد المتحدثة أن أهل منطقة بني بوفراح بإقليم الحسيمة يحرصون على إعداد أكلات خصيصا لهذه المناسبة التي تسمى عندهم ب “الحاكوز”، لعل أبرزها الفطور بوجبة “السفنج” وكذلك “التريد” أو الرغائف، وخلال الغذاء والعشاء يتم تناول “الدشيشة” مبخرة ومزينة بالخضر التي تجود بها الأرض خلال هذا الموسم، وكذلك أكلة “سيكوك باللبن”.
وتضيف فاطمة الزهراء الوزاني، أن العائلة تجتمع لتناول هذه المأكولات جماعة، وتبين أن المنطقة تشتهر بعادة في هذه الاحتفالية، حيث يتم وضع الفواكه الجافة أو ما يسمى محليا ب” قشقشة” في طباق تقليدي مصنوع من الحلفاء يصنع خصيصا للمناسبات، ويتم وضع خاتم أو “فول يابس” في “الطباق” وتتكلف أكبر النساء سنا بغرف ما بداخله إما في صحون صغيرة أو أكياس، ويتم توزيعها على الحضور، حيث يعتقد أن من يحصل على الخاتم ستتحقق أمنياته.
وتشير المتحدثة، التي تقوم من خلال عملها الجمعوي بتوعية النساء القرويات بالحفاظ على تقاليد المنطقة لما تحمله من أصالة وجمالية، إلى أن الجلوس مع العائلة جماعة حول مائدة “الحاكوز” يستدعي سرد حكايات لإضافة متعة خاصة على مائدة الطعام.
إلى جانب ذلك، يقول أشرف أمهاوش، باحث في علم الاجتماع ومهتم بالشباب وظواهر التغير الاجتماعي والثقافة المحلية بالريف، إن ” الحاكوز” يعتبر طقسا من طقوس دورة الحياة الفلاحية لدى ساكنة بلاد الأمازيغ في شمال إفريقيا. ويروي أن أهل منطقة بني جميل يخلدون هذه المناسبة كحدث راسخ ومتجذر في الثقافة المحلية.
ويبرز أنه يجري الاحتفال بهذه المناسبة يومي 13 و14 يناير من كل سنة، فيمثل اليوم الأول وداعا للعام المنصرم، ويسمى محليا ب”العام البالي”، بينما يكون اليوم الثاني مناسبة ميلاد عام جديد، ويشير إلى أن أهل المنطقة يحتفلون، على غرار باقي الجماعات الأمازيغية، عبر تحضير ما تنتجه الأرض من لوز وجوز وتين وزرع وغير ذلك من الخيرات.
وجرت العادة، حسب المتحدث، في هذه المنطقة بتحضير صباح اليوم الأول من الاحتفال “فطيرة كبرى” تطبخ على الكانون (فرن تقليدي) ويتم تزيينها بالفواكه الجافة، كما يتم أيضا تحضير وجبة “إركمان” فالبعض يحضرها بالزرع الذي يترك لمدة في إناء من الماء ثم يدق جيدا ويتم عزل شوائبه ويغلى في الماء إلى أن يطبخ ويسقى بزيت الزيتون، كما أن هناك من يقوم بتحضير “إركمان” بطريقة أخرى بالحبوب والقطاني، وهي أكلات تتقن طبخها نساء المنطقة جيدا.
أما بالنسبة لوجبة الغذاء والعشاء، يضيف الباحث، فإنه يحضر لذلك كسكس محلي يسمى “بركوكس”، حيث تبرع النساء القرويات في تحضيره، وفي اليوم الموالي يجرى الاحتفال بنفس طريقة اليوم الأول، لكن المميز، كما يلفت الباحث، أن كل أسرة تحضر عشاء من ديك بلدي يستحسن أن يكون قد أتم العام يسمى بالمنطقة “فروج العام”.
وفي معرض حديثه، أبرز أن الصغار بدورهم يحتفلون بهذه السنة، حيث ينظمون موكبهم الخاص على مدى يومين، فيجوبون أرجاء الدوار أو المدشر مرددين أشعارا بلحن جميل، ويقصدون بيوت الأسر، وكل أسرة تقدم لهم هدايا إما نقدا أو عينا، ويدعون بالبركة لمن قدم لهم الهدية.
وأوضح أن هذا الموكب ينتهي ملتفا حول نار يوقدونها وسط المدشر، ثم يستمتعون بما حصلوا عليه من هدايا في جو من المرح والابتهاج بحلول السنة الفلاحية الجديدة.
و م ع