قضت محكمة النقض بالرباط بنقض حكم استئنافي كانت قد أصدرته محكمة الاستئناف في أكادير، بعد رفضها طلب تعدد تقدّم به متقاعد من سلك الدرك الملكي، حيث منحته المحكمة الإذن بالزواج من امرأة ثانية، مستندة إلى عدم رغبة زوجته الأولى في الإنجاب مجدداً، وهو مبرر اعتبرته المحكمة يستدعي إعادة النظر في الملف وفق مقتضيات مدونة الأسرة.
وتعود فصول القضية إلى 21 يناير 2021، عندما تقدّم المتقاعد بطلب إلى المحكمة الابتدائية في أكادير يلتمس فيه الإذن بالزواج الثاني. وبيّن في طلبه أنه متزوج منذ عام 2011 وله طفلة واحدة وُلدت في 2012، غير أن زوجته أصبحت ترفض فكرة الإنجاب لأسباب صحية، مما دفعه إلى طلب الزواج من أخرى لتجنب ما وصفه بـ”الوقوع في الرذيلة”.
ولم يكتف الطاعن بتقديم طلبه فقط، بل عزّزه بحزمة من الوثائق التي تضمنت كشف راتبه التقاعدي وعقود ملكية عقارات وشراكة تجارية، فضلاً عن موافقة مكتوبة ومصادق عليها من زوجته الأولى، يعود تاريخها إلى 7 يناير 2021.
ورغم هذه المعطيات، قضت المحكمة الابتدائية في أبريل 2021 برفض الطلب، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف لاحقاً، مستندة إلى أن عدم رغبة الزوجة في الإنجاب مجدداً لا يرقى إلى أن يكون مبرراً استثنائياً للتعدد وفقاً لما نصت عليه المادة 41 من مدونة الأسرة، خاصة مع غياب تقرير طبي يثبت استحالة الإنجاب.
وإثر رفض محكمة الاستئناف طلبه، لجأ الزوج إلى محكمة النقض، معترضاً على تجاهل المحكمة مناقشة الوثائق التي قدمها، لا سيما ما يخص موافقة زوجته الأولى وقدرته المالية على توفير النفقة للزوجتين.
وفي 13 يونيو 2023، أصدرت محكمة النقض قراراً يقضي بنقض الحكم الاستئنافي وإعادة الملف إلى هيئة مغايرة لإعادة البت فيه. وأوضحت المحكمة في تعليلها أن المبرر الذي قدمه الطاعن، والمتمثل في رفض زوجته الأولى للإنجاب، يُعد مبرراً استثنائياً شريطة ثبوت موافقة الزوجة وتوفر الإمكانيات المالية الكافية لضمان العدل بين الزوجتين، وهو ما أقره الطاعن بوثائق تفيد دخلاً شهرياً يفوق 20 ألف درهم.
وفي ضوء هذا القرار، أعادت محكمة الاستئناف في أكادير النظر في القضية، لتقضي بتاريخ 30 يناير 2024 بإلغاء الحكم السابق والإذن للمتقاعد بالزواج من زوجة ثانية، مطالبةً إياه بتحري العدل والمساواة بين الزوجتين، وتحميله الصائر القانوني المترتب عن الدعوى.
وأثار الحكم الصادر عن محكمة النقض ومن بعده قرار محكمة الاستئناف جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والاجتماعية، حيث يرى البعض أن القرار يُمثل تطبيقاً مرناً لمقتضيات مدونة الأسرة فيما يخص شروط التعدد، بينما يعتبره آخرون بداية لإعادة النظر في كيفية تفعيل المواد القانونية المنظمة لهذه المسألة، في ظل تغيّر الظروف الاجتماعية وتزايد الدعوات لإصلاح قوانين الأسرة بما يتماشى مع المستجدات المجتمعية.