في 14 أبريل 2021، ترأس الملك محمد السادس بالقصر الملكي بفاس حفل إطلاق تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، حيث وُقّعت الاتفاقيات الأولى المتعلقة به، والهادف إلى تعميم التغطية الصحية لتشمل كافة المغاربة، مع التركيز على الفئات الهشة التي كانت خارج نظام الحماية. ورغم “التقدم المحرز” بعد ثلاث سنوات، تطرح تساؤلات عديدة حول فعالية المشروع ومدى تحقيقه لأهدافه.
في هذا السياق، تُظهر الأرقام الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المغرب حقق طفرة مهمة في هذا المجال، حيث ارتفعت نسبة المسجلين في نظام التأمين عن المرض إلى 86.5% في عام 2024 مقارنة بأقل من 60% في عام 2020.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو إدماج 8.5 مليون مواطن لا يزالون خارج دائرة الاستفادة، منهم 5 ملايين لم يتم تسجيلهم، و3.5 ملايين يعانون من حقوق مغلقة تمنعهم من الحصول على الخدمات الصحية.
من جهتها، أكدت مؤسسة الوسيط في تقريرها لسنة 2023 استمرار وجود فجوات في آليات تحديد المستفيدين من برامج الدعم. مشيرة إلى أن معايير اختيار المستفيدين تثير جدلاً حول عدالتها وشفافيتها، ما أدى إلى إقصاء بعض الفئات المستحقة دون مبررات مقنعة.
وأوضحت أن بعض الفئات التي تحصل على دعم مالي تتراوح قيمته بين 500 و1000 درهم شهرياً تجد صعوبة في دفع المساهمات الإضافية اللازمة للاستفادة من التأمين الصحي الإجباري، ما يضعها في مواجهة صعوبات مضاعفة لتحقيق أمنها الصحي.
على الصعيد المالي، يسعى المغرب إلى ضمان استدامة هذا المشروع الضخم، حيث وقّعت الحكومة المغربية في سبتمبر الماضي اتفاقية قرض بقيمة 27.76 مليار ين ياباني (حوالي 1.85 مليار درهم) مع اليابان لدعم برنامج التغطية الصحية الشاملة. وبالأساس تحسين خدمات صحة الأم والطفل، وتعزيز الحماية المالية في القطاع الصحي، لا سيما في المناطق القروية، ما يُعزز الاستقرار الاقتصادي ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
من جهته أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي في رأي له حول حصيلة “تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”، على ضرورة مواصلة الجهود لضمان استدامة المشروع وتعزيز جاذبية القطاع الصحي العام لتخفيف الضغط عن القطاع الخاص. كما شدد على أهمية معالجة العجز المالي للأنظمة المختلفة ووضع حلول مبتكرة لضمان توازنها واستدامتها.
فيما أوصى المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم 2023-2024، على ضرورة تعبئة وتنويع مصادر تمويل مستدامة لكافة مكونات الحماية الاجتماعية، لا سيما الدعم الاجتماعي المباشر والتأمين التضامني، والعمل على التنسيق بين سياسة الحماية الاجتماعية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى. .
وأشار المجلس إلى أن تحقيق أهداف تعميم الحماية الاجتماعية قد يواجه عدة تحديات، التي يمكن اعتبارها عوامل نجاح رئيسية للإصلاح. من ضمنها مصادر تمويل تكاليف الحماية الاجتماعية لتخفيف عبئها على ميزانية الدولة.
التحديات الهيكلية التي تواجه المشروع لا تتوقف عند التمويل، بل تمتد إلى الإشكالات الإدارية. فقد كشف تقرير مؤسسة الوسيط عن تأخيرات كبيرة في معالجة ملفات استرجاع المستحقات، واعتبر أن التأخير يعود في كثير من الأحيان إلى ممارسات بيروقراطية معقدة، مثل ضياع الملفات أو طلب وثائق إضافية بشكل غير مبرر.
كما نبه التقرير إلى أن بطء تحيين قائمة الأدوية المشمولة بالتعويض يؤدي إلى حرمان المرضى من أدوية ضرورية، خاصة لعلاج الأمراض المزمنة والمكلفة. وفي سياق مماثل، أشار التقرير إلى تدخل بعض صناديق الاحتياط الاجتماعي في قرارات الأطباء، ما يثير الشكوك حول استقلالية العلاقة بين الطبيب والمريض.
التحديات الإدارية لا تتوقف عند البيروقراطية، بل تشمل أيضاً البنية التحتية التنظيمية، فقد علمت جريدة “العمق المغربي”، أنه لا تزال مديرية الحماية الاجتماعية المكلفة بتنزيل المشروع تعمل في مقر وزارة التشغيل القديم رغم انتقالها إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، إضافة إلى غياب المكاتب المناسبة والتجهيزات اللوجستية الأساسية. مما قد يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ العديد من البرامج المرتبطة بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
ولتجاوز هذه العقبات دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى معالجة العجز المالي للأنظمة المختلفة عبر حلول مبتكرة، مشدداً على ضرورة تعزيز جاذبية القطاع الصحي العام لتخفيف الضغط على القطاع الخاص. كما طالب بمواصلة الجهود لضمان استدامة المشروع، خاصة في ظل التحديات المالية والإدارية التي تعيق تحقيق الأهداف المنشودة.
فيما أكد المعهد المغربي لتحليل السياسات في تقرير نشر بموقعه، على ضرورة وضع المستشفيات العمومية في صلب سياسات تعميم التغطية الاجتماعية، مع تعزيز الاستثمارات في القطاع الصحي لضمان جودة الخدمات. كما شدد على أهمية وضع آليات فعّالة للتكفل الطبي بالأمراض المزمنة والمكلفة