من المقبول على نطاق واسع أن ريادة الأعمال وتأسيس المقاولات تشكل عنصرا حيويا للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، بحيث كثيرا ما ينظر الباحثون وصناع السياسات العمومية إلى الشركات الصغرى والمتوسطة كضرورة لخلق مناصب الشغل. ونتيجة لذلك فإن تعزيز الشركات الصغيرة والمتوسطة يعد من بين الأهداف ذات الأولوية الكبرى في الاستراتيجيات الوطنية للبلاد. في هذا الصدد يؤول المغرب الى تحويل مجتمعه نحو ريادة الأعمال من أجل خلق المزيد من الثروات وانعاشه اقتصاديا خاصة بعد الجائحة العالمية كوفيد 19.
لقد تطور نشاط ريادة الأعمال في المغرب بشكل ملحوظ بالآونة الأخيرة بفضل الجهود التي بذلتها الدولة لمحاربة البطالة وفي هذا الإطار وضع المغرب ريادة الاعمال في المقدمة كجوهر لسياساته العامة لذلك حقق المغرب أرقاما جيدة بين عامي 2019و 2021 حيث تم انهاء اكتر من 100 ألف شركة و انشاء 58 الف شركة في عام 2021 كما ان حسب الاحصائيات للمكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارة التي صدرت حول دينامية المقاولات فان عدد المقاولات التي تم انشاؤها سنة 2023 بلغ 93517 ألف مقاولة و 31 ألف و 441 الف مقاولة جديدة خلال الأربعة اشهر الأولى من سنة 2024.
كما تشير بيانات نفس المكتب إلى تربع القطاع التجاري على قائمة القطاعات الأكثر استقطابا للمقاولات الجديدة بحصة 34,73 %يليه في المرتبة الثانية قطاع الخدمات المتنوعة بحصة 19,23% وفي المرتبة الأخيرة قطاع البناء والاشغال العمومية بحصة 18,88% وتمثل ما يقارب ثلاثة أرباع العدد الكلي للمقاولات التي تم خلقها في الشهور الأربعة الأولى لسنة 2024 أي أن المقاولات المغربية المنشأة يغلب عليها الطابع التجاري والخدماتي والعقاري أكثر من القطاع الصناعي وهذا من بين الأسباب التي تؤدي الى أن النشاط المقاولات بالمغرب لم يرق بعد إلى الطموحات والتحديات المستقبلية للمملكة. لذلك وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على استقلالنا ورغم المجهودات والإستراتيجيات والبرنامج لمواكبة وتعزيز النشاط المقاولاتي وخلق مناصب الشغل لانتعاش العجلة الاقتصادية ببلادنا الا أن النمو في المغرب لا يخلق فرص العمل بشكل كاف وملحوظ.
في هذا الصدد، يعتمد نظام النمو الاقتصادي في المغرب بشكل كبير على المتغيرات الخارجية كالمناخ والأزمات الاقتصادية والمالية الدولية. ناهيك على أن الاقتصاد المغربي مازال ضحية لأوضاع الريع على كافة المستويات؛ بل هو في الواقع تحت رحمة آليات غير عقلانية والتي تأثرنتاءجها على الانتعاش والاستقرار الاقتصادي و ذالك على المدى الطويل بالمغرب. وبما أن نظام النمو والنشاط الاقتصادي لدينا يخضع بشكل أساسي لمثل هذه العناصر، فإن تأثيرها على التوظيف لا يمكن أن يكون إلا ظرفيا أو مؤقتًا.
لذألك من المهم ان تندرج السياسات العمومية والماكرو اقتصادية للبلاد في سياق يسوده التحديث والنجاعة لكي يصبح النمو الاقتصادي مستقرا وصحيا وموزعا بشكل عادل على مدى فترة طويلة مما سيساهم في بناء اقتصاد وطني يقوم على أسسه تدعيم وتثمين رأس المال البشري وتحديث القطاع الفلاحي للحد من التبعية المناخية وخلق سياسة صناعية في خدمة التنمية المحلية والاجتماعية.