يخلد الشعب المغربي قاطبة، الذكرى 81 لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي تصادف يوم السبت 11 يناير 2025، وهي ذكرى مجيدة ارتقت إلى مستوى العيد الوطني، لما تجسده من رمزية نضالية ودلالات كفاحية، حضرت فيها الوطنية الحقة بكل قيمها وامتداداتها، وما تمثله من مكانة مركزية في ملحمة المقاومة والنضال من أجل الحرية والاستقلال؛
مركزية وثيقة 11 يناير 1944 في الفعل النضالي الوطني، وشهرتها الواسعة، لا يمكن البتة، أن تحجب الرؤية عن الوثائق والعرائض الأخرى المتزامنة معها، والتي ذيلت بتوقيعات عدد من الوطنيين في مدن كسلا والرباط والدار البيضاء، كما لا يجب أن تحجب الرؤية، عن الأبطال الذين أشعلوا فتيل المقاومة العسكرية، منذ التوقيع على معاهدة فاس سنة 1912 وإلى غاية سنة 1934، من أمثال أحمد الهيبة ومربه ربه في الجنوب والصحراء، وموحى أوحمو الزياني في الأطلس المتوسط، ومحمد بن عبدالكريم الخطابي في الريف، وعسو أوبسلام في منطقة الأطلس الكبير والصغير…، فأمام حضرة الوطن، لا يهم من رابط وجاهد ضد الاستعمار بسلاح الوطن وقوة الإيمان، ولا الحزب ولا من وثق وكتب ووقع، أو جهر علنا بالاستقلال، أو عانى ألم الاعتقال والمنفى والتعذيب والتشريد والتجويع، كما لا تهم المدن والأنساب والانتماءات، بقدر ما يهم من كان للوطن نصيرا و للأرض وفيا وللتراب مرابطا ومجاهدا؛
وثيقة 11يناير 1944, هي أكثر من وثيقة بمرجعية استقلالية، وأكبر من عريضة ذيلت بتوقيعات وطنيين، شكلوا الرعيل الأول للحركة الوطنية، هي قبل هذا ذاك، درس في الوطنية الحقة، من مقاطعه الكبرى، الإجماع الوطني، ووحدة الصف، والالتفاف حول الثوابت الدينية والوطنية الجامعة، والمسؤولية ونكران الذات، والعروة الوثقى التي لا انفصام لها بين العرش والشعب، والإخلاص لله والوطن والملك، بالارتقاء في منازل المحبة والإخلاص، إلى الدرجة التي يصير فيها حب الأوطان مرادفا للإيمان…
واليوم، وفي ظل ما بتنا نعيشه من بؤس في الخطاب السياسي، وانحطاط قيمي وأخلاقي، وما بات يسيطر على بعضنا، من قيم الأنانية والجشع والوصولية والاستقواء والعبث والفساد ما ظهر منه وما بطن، ومن استخفاف بمسؤولياتنا وواجباتنا أمام الوطن، ما أحوجنا إلى رجالات الدولة ورموز الوطن، ممن نسجوا ملحمة الحرية والاستقلال، وضحوا بالغالي والنفيس، دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب، وحفاظا على سمعة وتاريخ و ذاكرة أمة مغربية ضارب تاريخها في القدم؛
نحتاج اليوم، أن نكرم نجوم الوطن الخالدين، ونحتفي بالمؤثرين الحقيقيين، في زمن لم يكن فيه لا يوتيوب ولا فيسبوك ولا تيك توك، ولا خوتي خواتاتي ولا ديرو لايك ولا جمجموا ولا تخمموا، ولا سباقات مسعورة بحثا عن البوز، ولا صحافة “قلة الحياء”، ولا بنية سياسية ومجتمعية مطبعة مع ثقافة العبث، تحول فيها التافهون والبائسون، إلى نجوم ومؤثرين، لكن، حضرت فيه “قناة الوطن” وحضر معها خط تحريري عنوانه العريض “الوطن ثم الوطن ثم الوطن”؛
تكريم نجوم الوطن ومؤثريه الحقيقيين، من أبطال المقاومة العسكرية والنضال السياسي، يمر قطعا عبر مصالحة حقيقية مع الوطن، وتطهير أنفسنا وأجسادنا مما نعيشه من جنابة سياسية ودينية وأخلاقية، والجلوس جميعا على نفس الطاولة، لنوقع “وثيقة المواطنة”، نتعهد فيها أفرادا وجماعات، بتحمل مسؤولياتنا أمام الوطن، والسهر على وحدته وتنميته وإشعاعه، ونلتزم جميعا، بمحاربة وفضح، كل من يخون الأمانة، بعبثه وفساده وأنانيته وقلة حيائه وانعدام مسؤوليته، وكل من يعتدي على بلد الشرفاء والأولياء والعلماء والصالحين، وعلى وطن مرت منه ذات يوم، قامات وهامات طبعت الفكر الإنساني، من أمثال الرحالة بن بطوطة الطنجي والجغرافي الكبير الشريف الإدريسي، والقاضي عياض، الذي قيل فيه “لولا عياض لما ذكر المغرب”؛
فاتقوا الله في الوطن، فجسده لم يعد يحتمل، البائسين والعابثين والفاسدين والأنانيين والوصوليين والانتهازيين، ولا يمكن البتة، أن نختم المقال، دون الترحم على أحرار ونزهاء وشرفاء وشهداء الوطن، وفي طليعتهم بطل التحرير الملك محمد الخامس، وخلفه الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراهما، فكلنا راحلون، وسيبقى الوطن علامة دالة على سلوكنا وصنيعنا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإنا لله وإنا إليه راجعـون.