تشكل التجارة البحرية ما يقارب 80% من إجمالي التجارة الدولية من حيث الحجم و70% من حيث القيمة. في عام 2023، تجاوزت كميات البضائع المنقولة عبر البحار 12 مليار طن، ما يعكس أهمية النقل البحري في تعزيز التبادل التجاري العالمي. المغرب، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي وشبكة موانئه الممتدة على طول 3,500 كيلومتر من السواحل، يمتلك إمكانات هائلة للعودة إلى مكانته كقوة بحرية استراتيجية.
التحولات العالمية تفرض تحديات وفرصًا
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتزايد تأثير التغيرات المناخية، وظهور تقنيات جديدة، باتت الأولوية لتطوير البنية التحتية المينائية أكثر إلحاحًا. وقد وضعت الاستراتيجية الوطنية للموانئ 2030 رؤية طموحة لتعزيز الأداء اللوجستي، من خلال إنشاء ستة أقطاب إقليمية متخصصة، تهدف إلى رفع حجم التجارة البحرية إلى 370 مليون طن سنويًا.
ميناء طنجة المتوسط: نموذج النجاح المغربي
يعد ميناء طنجة المتوسط مثالًا بارزًا للنجاح المغربي، حيث احتل مكانة بين أكبر 20 ميناء عالميًا بحجم تداول بلغ 8.61 مليون حاوية في 2023، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في 2024. بفضل موقعه في مضيق جبل طارق وتجهيزاته الحديثة، استطاع الميناء تحقيق معدلات دوران سريعة وجذب أكبر السفن العالمية، مما جعله نقطة ارتكاز في التجارة الدولية.
ميناء الدار البيضاء: تحديات التحديث
رغم كونه الميناء الأكبر تاريخيًا في المغرب، يواجه ميناء الدار البيضاء تحديات تتعلق بقدرته على استقبال السفن الكبيرة من طراز “Post-Panamax”. ومع ذلك، تسعى مشروعات التحديث، مثل مشروع “ويسال”، إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وتخفيف ضغط الأنشطة في قلب المدينة.
ميناء الجرف الأصفر: مركز الطاقة والفوسفات
بدوره، يعتبر ميناء الجرف الأصفر عصبًا أساسيًا للصناعات الطاقية والفوسفاتية في المغرب. ورغم دوره الاستراتيجي، تعيق القيود المتعلقة بعمق المياه استقبال السفن ذات الحمولة الكبيرة، مما يرفع تكاليف النقل. لذا، يمثل تحسين العمق الفعلي للميناء أولوية استراتيجية لتقليل هذه التكاليف وتعزيز التنافسية.
مشروع ميناء الداخلة: نافذة المغرب على إفريقيا
يمثل ميناء الداخلة مشروعًا طموحًا يهدف إلى تعزيز ارتباط المغرب بالأسواق الإفريقية جنوب الصحراء. بتصميمه الذي يشمل أحواضًا بعمق 16 مترًا ومرافق متطورة، يسعى الميناء إلى أن يصبح مركزًا لوجستيًا إقليميًا يخدم التجارة بين أوروبا وإفريقيا والأمريكتين.
استشراف المستقبل: من البنية التحتية إلى السيادة الاقتصادية
في ظل التوترات الجيوسياسية وتحديات سلاسل التوريد العالمية، يمتلك المغرب فرصة فريدة لتعزيز مكانته البحرية. تشمل الخطوات المستقبلية تحسين الربط اللوجستي بين الموانئ والمناطق الداخلية، والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء، وتطوير أسطول بحري وطني يعزز السيادة الاقتصادية.
رؤية متكاملة لمستقبل مشرق
بالجمع بين تحديث الموانئ القائمة وإنشاء موانئ جديدة، مثل الداخلة، والعمل على تحسين الربط اللوجستي، يمكن للمغرب أن يرسخ موقعه كحلقة وصل رئيسية في التجارة البحرية العالمية. ومع تحقيق التوازن بين الكفاءة التشغيلية والاستدامة البيئية، يبقى المستقبل واعدًا للاقتصاد المغربي.