مع سيطرة المعارضة السورية على عدد من المدن الرئيسية، في الأيام الأولى التي سبقت انهيار نظام الأسد، انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو تُظهر شبانا مغاربة يقاتلون ضمن صفوف المعارضة، وهم يُحيّون عائلاتهم في المغرب ويحتفلون بتحرير الأراضي السورية. مشاهد أظهرت دور مئات الشباب المغاربة الذين التحقوا بسوريا مع اندلاع الثورة السورية، للقتال في صفوف عدد من التنظيمات المسلحة.
ياسين التازي، شاب مغربي من مدينة تازة، واحد من هؤلاء الشباب الذين شاركوا في الثورة السورية منذ بدايتها سنة 2013، كشف في تصريحات حصرية لجريدة “العمق” عن الحضور البارز للمغاربة في صفوف المعارضة السورية، واستمرارهم معها رغم “تحقيق النصر” وسقوط نظام بشار الأسد، حيث يؤمّنون المنشآت ويحرسون المدنيين، ويحافظون على حماية الأقليات والمصالح العامة.
وأضاف التازي أنه في كل مرة يتم فيها تحرير منطقة أو مدينة من قبضة النظام السوري والميليشيات الطائفية وحلفائهم الروس، يستقبلهم الأهالي بحفاوة بالغة ودموع الفرح، تعبيرا عن التحرر من الظلم وبطش الأسد وأعوانه، لافتا إلى أن شعور المقاتلين لا يقل عما يعبر عنه الأهالي، وهم يتقدمون في “الأراضي المحتلة”، وفق تعبيره.
وحول فكرة الالتحاق بسوريا، أوضح المتحدث، أن “هذه الفكرة جاء من منطلق ديني حيث دعا معظم علماء الأمة لوجوب نصرة الشعب السوري المظلوم بالنفس والمال وبكل شيء مستطاع لتخليصهم من محنتهم، وكذلك بناء على طلب من أهلنا السوريين الذين كانوا يستنجدون ويستغيثون بالمسلمين والعرب لنصرتهم”.
من هذا المنطلق، يضيف التازي شارحا: “هبت أعداد كبيرة تقدر بالآلاف من شباب وشياب من المغاربة لأداء هذا الواجب الدين والإنساني كما هبت أجدادنا منذ عشرات السنين لنصرة الشعب السوري، مشددا على أن “نصرة المظلوم طبيعة في الشعب المغربي تربى عليها الأجداد والأحفاد”.
ورفض التازي، الذي يعرف نفسه بأنه “شخص عادي في صفوف المعارضة السورية”، الأرقام المبالغ فيها حول عدد المقاتلين المغاربة في سوريا، موضحا أن العدد الدقيق غير معلوم نظرا لتعدد الفصائل واختلاف المواقع بين من انضم للمعارضة أو لجماعات أخرى.
وفي سياق الحديث عن العلاقة بين المغرب وسوريا، أشاد التازي بموقف المملكة المغربية قائلا: “الشعب السوري يُقدّر كل من وقف معه في محنته. المغرب كانت له مواقف مشرفة، وإن لم تكن كافية فعلى أقل تقدير لم تكن متورطة في أزمتهم كما فعلت بعض الدول الشقيقية، بل أغلق المغرب السفارة السورية واستقبل النازحين السوريين بحفاوة ودون تسجيل أي حالات إساءة أو طرد”.
وعن إمكانية إعادة العلاقات بين المغرب والمعارضة السورية، قال: “قيادات المعارضة تنظر بإيجابية لكل دولة لم تتورط مع النظام، وتبسط يدها للتعاون المشترك من أجل إصلاح ما أفسده الأسد وحلفاؤه”. بالمقابل، أوضح التازي، أن النظام الجزائري كان من بين الداعمين الواضحين لنظام بشار الأسد، غير مستبعد وجود مقاتلين أو خبراء عسكريين جزائريين ضمن القوات الموالية للنظام السوري.
وحول مستقبل المقاتلين المغاربة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، أكد التازي أن دورهم لم ينته بعد، بل “بدأت حقبة جديدة للبناء وإعادة إعمار البلاد وإرجاع الأهالي المغتربين وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة وسنين طويلة”، موضحا أن “الاندماج في جيش الثورة كان بدأ بعدة مشاريع تخدم مصلحة البلد انتهاءا بتأسيس الهيئة”.
وأكد أن المهاجرين المغاربة، لن ينخرطوا في الأجهزة الأمنية السورية، ولا يحبذون هذه الفكرة، موضحا بقوله: “ننأى بأنفسنا عن الصدامات الداخلية ونعتبرها من شأن أهل البلد وهم أدرى بمصالحهم، وهذه منهجية القائد إبراهيم بن شقرون تقبله الله منذ قدومه إلى الشام وجعل ذلك من ميثاق الحركة وشرط في كل توحد واندماج”.
في سياق متصل، أوضح التازي أن معظم المقاتلين المغاربة يتواصلون مع عائلاتهم في المغرب بشكل طبيعي، لكنهم لا ينوون العودة حاليا نظرا لتأسيسهم أسرا وحياة جديدة في سوريا، مشيرا إلى أن “العودة ليست بسبب خوف من الاعتقال، بل لأن لدينا مصالح وعائلات يستحيل تركها الآن”، مبرزا أن المغرب تعامل مع حالات سابقة للمقاتلين العائدين بشكل متفهم، مما يعكس توجهه نحو حل هذه الملفات.
وجوابا على سؤال بخصوص تواجد مغاربة ضمن المحررين من سجون نظام بشار الأسد، كشف التازي وجود مغاربة معتقلين في سجون النظام السوري، وأيضا سجون “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية”، داعيا السلطات المغربية إلى التعاون من أجل إعادة هؤلاء المواطنين إلى بلادهم، معربا عن أمله في أن تُحل هذه الملفات العالقة مع سقوط النظام السوري.
فيما يتعلق بمخيم الهول وباقي المخيمات التي تسيطر عليها القوات الكردية والتي تضم نساء مغربيات وأطفالهن، أعرب التازي عن أمله في أن تسعى القيادة الجديدة للمعارضة إلى حل هذه القضية بالتعاون مع الدول المعنية، وبالأخص المغرب. وأشار إلى ضرورة إعادة النظر في ملف المغاربة العالقين في تركيا وسوريا، مؤكدًا أن معظم هؤلاء الأفراد لا يتبنون الفكر المتطرف الذي عُرف به تنظيم داعش.
وشدد المقاتل المغربي في صفوف المعارضة السورية المسلحة، أن التنظيم الدولة الاسلامية “داعش” قد انتهى فعليا بعد جهود الثوار السوريين، لكن هناك بعض الخلايا النائمة التي يتم توظيفها من أطراف معينة لإثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار، وفق تعبيره.