تلعب الدبلوماسية الموازية دورًا أساسيًا في دعم القضايا الوطنية الكبرى إلى جانب العمل الدبلوماسي الرسمي، حيث باتت منظمات المجتمع المدني لاعبًا محوريًا على الساحة الإقليمية والدولية
وبفضل توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، أصبحت هذه المنظمات مطالبة بتعزيز قدراتها القانونية، السياسية، والتاريخية للدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، باعتبارها أولوية وطنية.
هذا الدور يتطلب تكوينًا دقيقًا وعمليًا يمكّن الفاعلين في المجتمع المدني من الترافع بفعالية والتصدي لمختلف المناورات العدائية التي تستهدف استقرار البلاد ووحدتها الترابية.
في هذا الإطار، جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية ليؤكد على ضرورة تمكين فعاليات المجتمع المدني من الآليات اللازمة للترافع والدفاع عن المصالح الوطنية.
وتجاوبًا مع هذا التوجيه، دخل البرلمان المغربي على خط تعزيز هذا الدور الحيوي، حيث وجه محمد صباري، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالًا كتابيًا إلى الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، يستفسر فيه عن الجهود المبذولة لدعم وتأطير منظمات المجتمع المدني للترافع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة.
وأكد محمد صباري في معرض سؤاله، أن هذه الفعاليات المدنية تحتاج إلى تعزيز قدراتها العلمية والتواصلية للترافع والتصدي لكل المناورات العدائية.
هذا التوجه البرلماني يأتي في سياق وطني وإقليمي حساس، حيث تتزايد أهمية تفعيل الدبلوماسية الموازية في الدفاع عن مصالح المغرب الحيوية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
في هذا الصدد، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أول أمس الجمعة، خلال ندوة صحفية بمدينة العيون، أن سنة 2024 هي “سنة مهمة” بالنسبة لقضية الصحراء المغربية.
وأوضح أن الزخم القوي الذي منحته القيادة الملكية لهذا الملف والاستراتيجية الدبلوماسية المتبعة أسفرا عن تطورات نوعية خلال العام الجاري.
من بين أبرز هذه التطورات، شدد بوريطة على الموقف الفرنسي الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو موقف أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الرسالة التي بعثها إلى جلالة الملك في يوليوز الماضي.
هذا الالتزام تعزز بشكل أوضح خلال زيارة ماكرون الرسمية إلى المغرب نهاية شهر أكتوبر، حيث وصف بوريطة هذا الدعم الفرنسي بالتطور “الكبير” في مسار تعزيز مكانة المغرب على الصعيد الدولي.
إلى جانب فرنسا، حظيت مبادرة الحكم الذاتي، التي يقترحها المغرب كحل سياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء، بدعم متزايد من بلدان الاتحاد الأوروبي.
وسجل وزير الخارجية أن أربع دول أوروبية جديدة، وهي سلوفينيا، فنلندا، الدنمارك، وإستونيا، أعلنت دعمها للمبادرة، مما رفع عدد الدول الأوروبية المؤيدة لهذا الحل إلى أكثر من 20 دولة.
وعلى المستوى العالمي، حسب بوريطة، فقد بلغ عدد الدول الداعمة للمبادرة المغربية نحو 113 دولة، مما يعكس تزايد الاعتراف الدولي بواقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي.
من جهة أخرى، شهد العام الجاري تزايدًا ملحوظًا في سحب الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية الوهمية”، حيث علقت دول مثل الإكوادور وبنما اعترافها بالكيان الانفصالي.
ووفق بوريطة، فإن ما يقارب 50 دولة سحبت اعترافها بالجمهورية المزعومة خلال العقدين الأخيرين، ليصبح عدد الدول التي لا تزال تعترف بهذا الكيان الوهمي لا يتجاوز 28 دولة فقط.
هذا التراجع المتواصل يعكس فشل الطرح الانفصالي على المستويين السياسي والدبلوماسي، ويؤكد أن الرؤية المغربية المدعومة بجهود ملكية حكيمة ومواقف دولية متزنة تتجه نحو تحقيق نتائج إيجابية على المدى القريب.
وتبرز التطورات المتسارعة التي تشهدها قضية الصحراء المغربية أهمية تعزيز التنسيق بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية، وهو ما يستدعي تكوين وتأهيل فعاليات المجتمع المدني للمشاركة في الدفاع عن المصالح الوطنية الكبرى.
فبفضل الجهود الملكية والتفاعل الإيجابي لمختلف المؤسسات الوطنية، باتت المملكة المغربية تحقق مكاسب سياسية ودبلوماسية تعزز من موقعها الإقليمي والدولي وتدحض الادعاءات المغرضة.
في ظل هذه المعطيات، تظل المرحلة الراهنة مرحلة حساسة تتطلب مضاعفة الجهود وتعزيز الجبهة الداخلية، سواء من خلال الرفع من جاهزية منظمات المجتمع المدني أو عبر تنسيق أكبر بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بما يساهم في خدمة قضية الوحدة الترابية للمملكة والدفاع عنها على كافة الأصعدة.