محمد عفري
لا يمر يوم دون سماع “تحصيل” غش يتعلق بالمواد الغذائية، هنا أو هناك، أو دون رصد تسمم غذائي في هذا “المرفق” أو ذاك، يكون أصله تدليسا بائنا، إما بتزوير تاريخ مدة صلاحية المواد الاستهلاكية والتلاعب بصحة المواطنين وتعريضها لمخاطر الموت والإصابة المزمنة، أو باستعمال مواد غير قابلة بتاتا للاستهلاك، والهدف هو جشع “فاعلين” ينشطون بلا ضمير، وغايتهم الأولى والأخيرة الربح الوفير، دون تفكير في مصير الآخرين، أي المستهلكين..
من “الزيوت المسمومة” إلى “النقانق السامة” إلى “الخبزة العجيبة”، للمغرب المستقل تاريخ طويل مع الغش الغذائي يعود إلى 1959 حيث تم تسجيل حادثة تسمم جماعي، اعتبرت كارثة إنسانية، وقعت خريف هذه السنة، وحيث ارتفعت حالات التسمم عند ما يقارب 20 ألف شخص، منهم من توفي ومنهم من أُصيب بأمراض مزمنة وإعاقات دائمة، في مدن مغربية مختلفة، كانت مكناس موطن إنتاج وتسويق هذه الزيوت أهمها، بالإضافة إلى مدن سيدي سليمان وسيدي قاسم والخميسات، قبل أن تسجل الأرقام ضحايا بالتسلسل خارج هذه المدن، قضوا وآخرين أصيبوا بأمراض مزمنة مؤثرة على الجهاز العصبي فكانت النتائج عاهات مستدامة على الدماغ والأطراف، وكان السبب للتذكير استهلاك الضحايا زيوت طبخ كانت تحتوي على مادة ثلاثي كريسيل الفوسفات، ومصدرها زيوت تشحيم طائرات حربية اشتراها تجار من سماسرة في القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة بالمغرب، ومزجوها بزيوت نباتية، لتباع للمغاربة بأثمان بخسة، والنتيجة معروفة والسبب واحد، هو جشع التجار والصناع، في غفلة من أي مراقبة وردع، علما أن تلك الزيوت عبارة عن مادة كيميائية سامة ليس لها لون أو رائحة، مُزجت بزيت طعام عادي يستعمل في الطبخ، والزيوت ذاتها تعرف في الولايات المتحدة الأمريكية باسم ثلاثي كريسيل الفوسفات (TOCP)، تستعمل في محركات الطائرات العسكرية، ونظرا لكمية السموم التي تحتويها فإن مجرد استنشاقها يؤدي إلى ظهور بعض الأمراض.
اليوم، وفي مغرب تطور وأصبح قوة نوعية، مازال أباطرة الغش يجدون في المواد الغذائية والاستهلاكية ملاذا للإثراء غير المشروع على حساب صحة وحياة إخوانهم وأبناء جلدتهم المغاربة. جرد صغير لحالات الغش الغذائي في العقد الأخير فقط، يحيلنا إلى “تغول” هؤلاء الأباطرة، رغم يقظة مختلف السلطات، لكن أمام صمت الحكومة، وهو الصمت الذي استغله هؤلاء تزامنا مع تداعيات الأزمة المتفشية في قطاع اللحوم بمختلف أنواعها بين حمراء وبيضاء، ليفتحوا باب هذا الغش عبر محاولة تسويق أطنان من الدجاج النافق، الموجه يوميا إلى الاستهلاك الوطني، وفي مقدمته المطاعم وممونو الأعراس والحفلات. ولولا يقظة السلطات المختصة التي وقفت لهم بالمرصاد مؤخرا وأوقفتهم بمستودع كبير ببوسكورة، نواحي الدار البيضاء، وحجزت غلتهم المغشوشة القاتلة، لكانت النتائج كارثية، ليست على صحة المستهلكين من ساكنة الدار البيضاء وضواحيها، وإنما تتعداها إلى مناطق أخرى، في “سيبة” مجتمعية كبيرة وخطيرة يمارسها أباطرة الغش الغذائي. وإلى حدود حجز هذه الممنوعات الخطيرة على صحة المواطنين، يبقى من الصعب ضبط منذ متى ونشاط هؤلاء “الغشاشين” قائم وكم من المواطنين استهلكوا بضاعتهم، الدجاج النافق” وهي البضاعة التي تدخل في الاستهتار الكبير والواضح بصحة المواطن المغربي الذي يتعدى جشع أباطرة الغش من تجار ومنتجين وممونين وأرباب مطاعم، إلى استهتار كبير لحكومة أخنوش، التي في عهدها ارتفع الغش لسبب الغلاء الفاحش ليس في اللحوم الحمراء والبيضاء وحدها وإنما في كل المواد الاستهلاكية الضرورية التي تبعث على اعتماد الغش والتشجيع عليه وفتح الباب أمام أباطرته و”أباطرة” المناسبات، رغم أن الغلاء ليس مبررا لاستعمال الغش والغش الغذائي بالخصوص، المؤذي لصحة المواطنين بل والمفضي إلى الموت..