في خضم النقاشات الحامية التي شهدها البرلمان المغربي حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب، تتجه الأنظار نحو الغد، حيث ستُعرض التعديلات الجديدة على لجنة القطاعات الاجتماعية.
وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي أثاره المشروع بين الأطراف الحكومية والفرق البرلمانية والنقابات، يبدو أن الحكومة بدأت تُظهر مرونة، في خطوة قد تكون مفتاحاً لحل هذه الأزمة التي تخيم على الساحة السياسية.
مشروع القانون، الذي يُعد من أكثر النصوص إثارة للجدل منذ سنوات، أثار مخاوف عميقة لدى النقابات العمالية، التي رأت فيه محاولة لتقييد أحد أهم حقوقها الدستورية، وهو حق الإضراب.
هذه المخاوف دفعت النقابات إلى رفع سقف مطالبها، مطالبة بحوار وطني شامل يعيد النظر في كل المواد التي تعتبرها تقييدية، فيما أبدت الحكومة استعداداً ملحوظاً للاستماع والتفاعل مع هذه المطالب.
في جلسة برلمانية بمجلس النواب، كشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن الحكومة تلقت 334 تعديلاً من الفرق البرلمانية.
ووصف السكوري هذه التعديلات بأنها “جوهرية ومنطقية”، مؤكدا أن الحكومة ستستجيب للعديد منها.
في خطوة اعتبرها البعض انتصاراً للبرلمان والنقابات على حد سواء.
ومن بين التعديلات الأكثر إثارة للانتباه، إعلان السكوري استعداده لحذف المقتضيات المتعلقة بمنع الإضراب السياسي والتضامني، وهي نقاط كانت محط انتقاد حاد من النقابات والفرق البرلمانية المعارضة.
كما تعهد السكوري بحذف العقوبات الجنائية الواردة في المشروع، والتي كانت تشكل عقبة كبيرة أمام التوافق.
وفي خطوة أخرى لتعزيز التوافق، أبدت وزير الشغل استعداده لإعادة النظر في المدد الزمنية التي تُلزم العمال بالانتظار قبل خوض الإضراب في القضايا العاجلة.
كما رحب بإدراج ديباجة تُبرز الدور التاريخي للنقابات في تحقيق مكتسبات الطبقة العاملة، وهي خطوة تهدف إلى تثمين العمل النقابي وتعزيز شرعيته.
وسبق أن شدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على ضرورة مراجعة النصوص التي تتسم بالطابع الزجري، معتبراً أن مشروع القانون في صيغته الحالية يُضعف قدرة العمال على ممارسة حقهم الدستوري.
الشارع المغربي بدوره يتابع بترقب، حيث ترى النقابات أن استمرار الحكومة في تجاهل بعض المطالب الأساسية قد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات.
وفي المقابل، ترى بعض الأوساط السياسية أن تقنين الإضراب أمر حتمي لضمان استقرار الاقتصاد الوطني وحماية مصالح أرباب العمل.
في هذا السياق المشحون، يبدو أن الجميع مدعو إلى تقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى توافق يُرضي جميع الأطراف.
وإذا ما نجحت الحكومة في تمرير المشروع بصيغته المعدلة، فقد يشكل ذلك نموذجاً جديداً في إدارة الخلافات الاجتماعية والسياسية، ويعزز الثقة في المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح الحكومة في تحقيق هذا التوازن الدقيق، أم أن المفاوضات ستتعثر مجدداً تحت وطأة المصالح المتضاربة؟