DR
مدة القراءة: 6′
نشأت ليليا النادر في بيئة إبداعية بفضل التوجيه الفني من والديها، مما ساعدها على اتخاذ قرارها المهني منذ الصغر. كان لهذا الجو العائلي دور كبير في تشكيل مسارها الفني. وفي حديثها مع يابلادي، قالت الممثلة الفرنسية المغربية: “كانت والدتي مهووسة بأعمالها، ومثلها مثل العديد من المخرجين، كان ذلك جزءًا من حياتها اليومية. كل ما يحيط بنا كان يغذي أفكارها بشأن الأفلام التي تعمل عليها أو تخطط لإنتاجها. كانت ملاحِظة بشكل كبير، وقد علّمتني هذه الطريقة في رؤية العالم.”
وتابعت ليليا قائلة: “والدي، الذي يعمل أيضًا في مجال السينما، كرّس حياته – ولا يزال حتى اليوم – لتوثيق النضالات التي يدافع عنها والعالم الذي يحيط به. هذا المنظور اليومي من خلال الكاميرا كان يرافقني أثناء نشأتي.”
منذ صغرها، شعرت ليليا، التي وُلدت في باريس، بأنها “تحمل دائمًا هذا الشغف بالسينما، ونفس الرغبة في رواية القصص”. وأضافت: “اليوم أحقق ذلك كممثلة، ولكن بنهج شبه وثائقي. أستعد كثيرًا لكل دور ألعبه، وأجمع المعلومات اللازمة وأعمل بجد فكريًا مسبقًا قبل الوقوف أمام الكاميرا. هذا يعود إلى الإرث الوثائقي الذي اكتسبته من والديّ.”
وأضافت: “لقد حلمت كثيرًا بأن أصبح ممثلة لدرجة أنني لا أتذكر متى بدأ هذا الوعي. قضيت طفولتي في اختراع شخصيات، وكنت مفتونة بمواقع التصوير، بمشاهدتها تلتقط مشاعر الناس الذين يروون تجاربهم أمام كاميرا والدتي… كانت تشعر فيّ بنداء السينما، لكن والديّ كان لديهما تحفظات على دخولي هذا المجال. وعندما أدركوا أن هذا هو فعلاً مساري المهني، دعموني بكل قلوبهم.”
سينما الحياة اليومية
ليليا النادر هي ابنة المخرجة الوثائقية المغربية الراحلة دليلة النادر. تحتفظ ليليا بذكرى ثمينة ونصيحة حياتية من والدتها التي توفيت في ماي 2020. تقول ليليا: “آخر شيء قالته لي عن السينما كان: ‘ابنتي، لديك موهبة، لكن يجب أن تعملي’. اليوم، أكرس كل طاقتي لهذا، سواء من خلال الدروس، والتحضير للأدوار، أو بناء شبكة علاقات مهنية. هذه النصيحة هي خطي الإرشادي للحفاظ على تواضعي”. كما خصصت ليليا معرضًا متنقلًا لتكريم أعمال والدتها الراحلة، والذي جاب معاهد الثقافة الفرنسية في المغرب.
نظمت هذه الجولة التي شملت عشر مدن من قِبل Laya Prod، شركة الإنتاج والتوزيع التي أسستها دليلة النادر في 2019، والتي تديرها الآن ليليا. هذا المشروع السينمائي مدعوم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، قناة دوزيم، مؤسسة BMCI، وCulture Plus Conseil. عبَّرت ليليا عن سعادتها بتحقيق هذا المشروع قائلة: “تواصلت مع المعاهد الفرنسية، وقد أبدوا استجابة جيدة جدًا. تم تنفيذ الأمور بسرعة، حتى قبل الموعد الذي حددته للاحتفال بمرور خمس سنوات”.
تعتبر ليليا هذه الجولة أيضًا “طريقة للتعبير عن امتناني لوالدتي، من خلال الإرث الثمين الذي نقلته لي، ومن خلال الأفلام التي علمتني الكثير من دروس الحياة”. ومن خلال “إحياء ذكراها وسرد قصتها”، تجد الفنانة الشابة طريقة للحفاظ على ارتباطها بالراحلة. كما تقول: “إنها صدى الذكريات الذي يجعل الشخص يعيش في الأذهان”.
وتضيف: “اليوم، أشعر أن والدتي ووالدي سعيدان للغاية بما حققته من مسار مهني، ويشعران بالفخر لأنني لم أخن مبادئي”. في المغرب، أخذت ليليا زمام المبادرة لتحويل هذه الرؤية السينمائية إلى لحظة تكريم لوالدتها، وفرصة للمشاركة مع الجميع، بما يتماشى مع رؤية دليلة النادر للسينما. تضم هذه الجولة سبعة أفلام وثائقية تناولت قضايا اجتماعية “لإبقاء هذا الإرث الثمين حيًا”.
وترغب ليليا في أن “لا تقتصر هذه الجولة على المغرب فقط”، حيث تخطط لعرض المبادرة في فرنسا وإسبانيا ومصر أيضًا، باعتبار أن المواضيع التي تتناولها أفلام والدتها “عالمية وتتخطى الحدود”. لكنها اختارت بدء الحدث في المغرب “نظراً للارتباط العميق” لدليلة النادر بوطنها الأم. وفي هذا السياق، تشير ليليا إلى “الطاقة الهائلة التي كانت تبذلها والدتها لتقديم أفضل ما لديها، رغم مرضها، خاصة في السنتين الأخيرتين من حياتها”.
تتذكر الممثلة أن كل زيارة كانت تقوم بها والدتها إلى المغرب كانت بمثابة فرصة لـ “استعادة طاقة حيوية” تساعدها على التفرغ للإبداع. وتضيف قائلة: “في لقاءاتها، كانت تجد دائمًا جوهر رسالتها الإنسانية”، كما تذكر ابنتها. وكان الفيلم الأول الذي عرض خلال هذه الجولة هو الفيلم الوثائقي الذي تم إنجازه بعد وفاة دليلة النادر، “جان جينيه، أبونا من زهور”، والذي أشرفت ليليا بنفسها على إتمامه. وقد نال الفيلم جوائز تقديرًا لجودته الفنية ومنهجيته المبتكرة في هذا النوع.
مشاريع بين الخيال والمنهج الوثائقي
في السابق، كانت الممثلة الشابة ترافق والدتها إلى مواقع التصوير، حتى أنها خاضت مغامرة في التجوال داخل المدينة القديمة للدار البيضاء، حيث نشأت دليلة النادر. بين سن 8 و9 سنوات، أمضت ليليا عامًا في حي عائلتها الأم. هناك، استمتعت بتجربة عادات وطريقة حياة نساء المدينة التاريخية في الدار البيضاء، التحقت بالمدرسة العامة، تعلمت اللغة العربية، وتعرفت عن كثب على الوضع الاجتماعي للنساء والجيران المقربين.
“أعتقد أنه لولا أفلام والدتي، لما كنت أعرف المغرب كما أعرفه اليوم. كانت تمثل صوت الشعب، وأنا فخورة بأنني أواصل الحفاظ على إرثها. كنت محظوظة لأنني تمكنت من التواصل مع الأشخاص الذين صورتهم والدتي، خاصة النساء من المدينة القديمة في فيلم ‘البطالات’ الذي يتوفر على وسائل التواصل الاجتماعي. تعلمت أنه يجب ألا أرى البلد من خلال الصور النمطية التي تُعرض في السينما. لا أؤمن بأي صورة نمطية عن المرأة المغربية.”
ليليا النادر
وأضافت ليليا “كانت دليلة النادر قادرة على جعل أفلامها مرآة للشعب، حيث يجدون أنفسهم فيها ويعترفون بها، ولهذا السبب تحظى بهذا الحب الكبير.” من خلال العمل على مسيرتها الفنية وأعمال والدتها، بدأت ليليا تكتشف شغفًا متزايدًا بالإخراج، مع ميل نحو الخيال الذي يمنحها مساحة أكبر من الحرية في التعبير. وتقول ليليا: “أشعر أنني أزداد استجابة لنداء الوطن.”
وقالت “قبل عام، لم يخطر ببالي أبداً فكرة الانتقال خلف الكاميرا. كنت دائمًا مفتونة بمرافقة والدتي، ولكن دون أن أشعر بالحاجة لتوثيق شيء بنفسي. والآن، مع تكريسي التام لاستمرار إرثها واندماجي في عالمها السينمائي، أقول لنفسي إنه لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن تُعرض وتُنجز.”
منذ شهر ماي الماضي، بدأت ليليا النادر تفكر بجدية في هذا المشروع. بعد أعمالها مثل “وميض” و”صور واضحة جدًا”، شعرت الآن بـ”دافع قوي” لإنجاز فيلم سير ذاتي عن حياة والدتها، التي كرست حياتها لتوثيق حياة الآخرين. وتقول ليليا: “أرغب في تقديم هذه الهدية لها وإظهار جانب أكثر خصوصية من شخصيتها. أريد أن أفهم ما الذي دفعها إلى اختيار مجال السينما، وما هي مسيرتها التي أوصلتها إلى طرح الأسئلة الإنسانية الكبرى التي تتناولها في أفلامها.”
تضيف ليليا قائلة: “أنا معجبة بقوة والدتي، ومرونتها، وإنسانيتها. وفي مقارنة مع فيلمها الأخير، طرحت سؤالاً عن كيفية تعاملنا مع آلامنا وكيف يمكننا الاستفادة من كل واحدة منها لنمضي قدمًا في الحياة ونحن واقفون بشموخ.” هذه هي الرسالة التي نقلتها المخرجة الراحلة في فيلمها الوثائقي بعد وفاتها، حيث “صوَّرت الحياة في المقبرة، وهي منهكة من المرض.”
بالنسبة لخليفة هذا الإرث، تقول ليليا: “إنها رسالة عالمية مليئة بالأمل والحب.” وبالتوازي مع مشاريعها كممثلة، تعتبر فيلمها المقبل بمثابة عمل سينمائي خيالي يروي “قصة شخص ناضل طوال حياته ليظل ثابتًا في مواجهة تحديات الحياة.”