اختار أخصائيون نفسانيون إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عن تنظيم الحملة الوطنية الثانية لمكافحة وصم الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية، بين 17 و27 أكتوبر 2022، لإبداء ملاحظات تتطلب استيعابها لكي “تضمن السلطات العمومية الوصية على الشأن الصحي تنزيلاً متكاملاً وشاملاً لا يقضي على الوصم فحسب، بل يضمن خدمات نفسية ذات جودة وفعالية تُقدم للمرضى”.
الحملة التي تنظمها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تحت شعار “الاضطرابات النفسية حالة طبية.. الكرامة والحقوق ليك وليا”، دفعت أحد الأخصائيين النفسانيين البارزين في المغرب إلى اتهام جل الأطباء غير المتخصصين وبعض الصيادلة بـ”إضفاء مشاكل كبيرة على الطب النفسي في البلد”، في الوقت الذي ركزت أخصائية أخرى على “المجتمع كمحرك ومنتج للمشاكل التي يواجهها المرض العقلي بالمملكة المغربية”.
“من الداخل”
جواد مبروكي، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية، لفت إلى أن إنجاح أي حملة من هذا النوع يستدعي مبدئيا فتح نقاش حول التكوين الطبي للمختصين في ميدان الطب والصيدلة لأن “المشكل الكبير” المطروح على الأمراض النفسية في المغرب لا يكمن في المجتمع أو المرضى أو العائلة، بل “المصيبة الكبرى تكون مع الأطباء غير المختصين والصيادلة أو مساعديهم، الذين لا يتوفرون على تكوين حتى في الصيدلة”، يضيف مبروكي.
وأوضح أنه لإنجاح أي حملة لا بد من تأهيل البنية التحتية في القطاع الطبي النفسي، مبرزا أنه “بسبب النصائح المغلوطة للصيادلة والأطباء غير المتخصصين سنجد مرضى انتحروا”. وتابع قائلا: “في إحدى المرات كانت مريضة وصفتُ لها أدوية، وعادت إلى العيادة في نوبة غريبة وهي تصرخ أمام الناس، فاكتشفت أنه تم شحنها من طرف مساعد صيدلي بأن الدواء الذي قدمتُه لها بدقّة يرفع حظوظها في ولوج عالم الإدمان بلا رجعة”.
وأضاف أن “الصيادلة في بعض الأحيان يرفضون منح الأدوية الواردة في الوصفات، رغم أن هذا مخالف للقانون”.
كما حمل مبروكي جل الأطباء غير المتخصصين مسؤولية ما يجري، مشيرا إلى أنهم “ينظرون إلى أدوية الطب النفسي نظرة قصيرة جدا، وينصحون مرات المرضى بضرورة تقليص تناول وصفات طبية قدمها لهم الأخصائي النفسي. يقومون بذلك دون أي استشارة مع الطبيب الذي وصفها بعد دراسة دقيقة وتتبع للحالة النفسية للمريض”.
وأبرز أن نسبة كبيرة من الأطباء لم يتم تكوينهم ولو مرة واحدة، مشيرا إلى أن “من خضع للتدريب يكون ذلك في مدة قصيرة وبمحتويات ضعيف للغاية، وهذا غير كاف نهائيا”. وأوصى بإجراء تكوين كاف يكون موجهاً لجميع الأطباء، وتشجيع التنسيق مع الأخصائيين، وإلزام هيئة الطب بإجراء تدريب في التخصصات النفسية كل سنة لكي يواكب الأطباء التطورات، ويكونوا على اطلاع على المستجدات قصد التدخل في الحالات التي تحتاج تدخلاً مستعجلاً.
الشق المجتمعي
بشرى المرابطي، أخصائية نفسانية وباحثة في علم النفس الاجتماعي، ركزت من جانبها على المجتمع الذي يكرس كل مرة “عدم الفهم”، مضيفة “في جميع المجتمعات، بما فيها مجتمعنا المغربي، حينما لا يتم فهم ظاهره معينة وأسبابها ومآلاتها وطرق التعامل معها، فإن الوصم داخلها يرتفع”، مقدمةً دليلا “مرتبطاً بتحسن وتطور إيجابي تم تسجيلهما انطلاقاً من تعامل المجتمع مع المرض النفسي أو العقلي، حيث ارتفع حتى مستوى الطلب مقارنة بالسنوات الماضية، سواء في المدن أو القرى”.
وقالت المرابطي لهسبريس إن “القضاء على الوصم يتطلب توعية المجتمع بطبيعة الأمراض وأنواعها والأخطر فيها وكيفية تطورها”، لافتة إلى أن “ما يشد الانتباه اليوم هو حالات القتل التي ارتفعت مؤخرا في المجتمع المغربي نتيجة سببين أساسيين، إما تعاطي المخدرات، خاصة المخدرات الصلبة، أو نتيجة الاضطرابات العقلية التي لا يعي محيط المريض طبيعة خطورتها؛ ولذلك الرهان على تأهيل وعي المجتمع أساسي في هذه الحكاية”.
واعتبرت الأخصائية النفسانية أن “هذه التوعية لا ينبغي أن تكون موسمية، ونحن نلاحظ غلبة البعد الموسمي”، مؤكدةً الحاجة إلى تحويلها إلى همّ متواصل طيلة السنة عبر وصلات إشهارية وبرامج قارة غير مرتبطة بشكل حصري بالحملة التي تطلقها الوزارة”.
وتابعت قائلة: “لا بد من وضع أعمال فنية بدورها مثل المسلسلات التلفزيونية، وضرورة استغلال شهر رمضان بالنظر للإقبال الكبير على مشاهدة التلفاز والأعمال الوطنية تحديداً”.
وشددت على ضرورة أن “تكون لدينا استراتيجية استباقية من خلال الاعتماد على الأخصائي النفساني المدرسي لأن تجارب الدول الأجنبية أثبتت بأن تواجد هؤلاء في المدرسة بمختلف المستويات، من الابتدائي حتى الجامعي، يشكل استراتيجية استباقية للتعرف على المرض ومساعدة المتمدرسين على تجاوز الضغوطات، سواء المدرسية أو النفسية أو العلائقية أو العاطفية”، لافتة إلى أن “الفشل المدرسي بدوره له تأثير أيضا حينما تبدو هناك اضطرابات ليست فقط نفسية، بل عقلية أو غيرها”.