كان القذافي يدعي من وراء دعمه للبوليساريو، أنه يريد أن يطرد المحتل الإسباني من الأراضي العربية، فقط وأنه لا يسعى إلى الإضرار بمصالح المغرب، وهو ما حاول إبرازه للملك الحسن الثاني حين اقترح عليه المشاركة على رأس وفد ليبي هام في المسيرة الخضراء.
ويتطرق الملك الحسن الثاني لرغبة القذافي، في المشاركة في المسيرة الخضراء، التي انطلقت نحو الأراضي التي كانت تسيطر عليها إسبانيا في 6 نونبر من سنة 1975، في كتابه “ذاكرة ملك” حيث قال “وجه لي (القذافي) عام 1975 عندما كنت بصدد وضع اللمسات الأخيرة لانطلاق المسيرة برقية رسمية يقول فيها: بصفتي ثوريا فإني أساندكم ألفا في المائة، وإني أريد القدوم إلى المغرب على رأس وفد ليبي للتصدي للاستعمار عدونا المشترك”.
ويوضح الحسن الثاني، أنه لم يرد على طلب القذافي، ويقول “التقينا بعد تسع سنوات من ذلك في 13 غشت 1984 بمدينة وجدة، وبالرغم من أنه كان يتحدث معي بلطف وبكثير من اللباقة، فإنني كنت أشعر أن عدم الرد على برقيته ما زال يحز في نفسه وأسر لي : لم أتمكن من فهم رفضكم”.
فرد الحسن الثاني على الزعيم الليبي الراحل قائلا “اسمع يا صديقي العزيز، أود أن أطرح عليكم السؤال التالي وأن تجيبوني عنه بصراحة، لو كنتم شاركتم في المسيرة فهل كنتم ستقفون معي عندما أصدرت الأمر إلى الثلاثمائة وخمسين ألف مشارك بالرجوع؟ رد في الحال لا. ما كنت لأتراجع”.
فرد الحسن الثاني “في هذه الحالة كان من الأحسن أن لا تشاركوا في المسيرة الخضراء، لأنني كنت سأضطر إلى اقتيادكم إلى الحدود بواسطة دركيين، وذلك ما كان سيسبب حادثا دبلوماسيا مروعا”.
ورغم إعلان الحسن الثاني، عن تحقيق المسيرة الخضراء لأهدافها، وتوقيع المغرب إلى جانب موريتانيا مع إسبانيا اتفاق مدريد في 14 نونبر 1975، الذي ينص على جلاء إسبانيا من الصحراء الغربية واقتسامها من قبل المغرب وموريتانيا، إلا أن القذافي استمر في إمداد جبهة البوليساريو بالمال والسلاح.
ويذكر الكاتب الصحافي السوداني، طلحة جبريل في كتابه “الملك والعقيد” أن المعارك في الصحراء الغربية تصاعدت بعد المسيرة الخضراء، “إلى حد أنها وصلت إلى مناطق غير متنازع عليها، كان السلاح الليبي، يتدفق مثل سيل جارف كما ونوعا، مما أتاح للبوليساريو اقتحام مناطق مغريبة، بل وأخضعوها لسيطرتهم أياما”.
شرح مضامين اتفاقية مدريد
رغم ذلك، لم يقطع الملك الحسن الثاني، خيوط الود بشكل نهائي مع الزعيم الليبي، وبحسب ما يحكي طلحة جبريل في كتابه فقد أوفد الملك الراحل، عبد الهادي بوطالب الذي كان يتولى منصب سفير المغرب في واشنطن، في جولة إلى بعض الدول العربية حاملا رسائل منه إلى قادة هذه الدول لشرح الاتفاقية الثلاثية التي أبرمت في مدريد لإنهاء مشكلة الصحراء.
وكانت رحلة بوطالب بحسب كتاب “الملك والعقيد” تشمل العاصمة الليبية طرابلس، و”حمل رسالة إلى العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية. ووصل بوطالب طرابلس وكان برفقته إبراهيم سيدا، وهو أيضا سفير موريتاني، على أساس أن اتفاقية مدريد نصت على اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا”.
وعلم بوطالب أثناء وصوله إلى ليبيا، أن أعضاء من جبهة البوليساريو موجودين في ليبيا، ويتعامل معهم المسؤولون الليبيون تعاملا مباشر وعلنيا، وأن العقيد القذافي يجتمع بهم شخصيا، حينها أدرك الدبلوماسي المغربي أن مهمته لن تكون سهلة.
وحين التقى بوطالب بالقذافي، بدأ اللقاء حسب ما يحكي طلحة جبريل “باردا لكنه سيتحول بعد ذلك إلى لقاء مثير. شرع بوطالب في شرح مشكلة الصحراء ومقتضيات اتفاقية مدريد وتفاصيلها (…) هنا سيتدخل القذافي ليقول: لماذا لا نفكر في أن تكون هناك وحدة بين المغرب وليبيا والصحراء، وننهي المشكلة بهذه الطريقة؟”.
لكن بوطالب تجنب التعقيب على الاقتراح المفاجئ. كان رأي بوطالب أن الوحدة لا يمكن أن تبنى بهذه الكيفية الارتجالية. على الرغم من أنه كان يعرف هذه النزعة الوحدوية لدى معمر القذافي.
لم يجد اقتراح الزعيم الليبي صدى في الرباط، واستمرت ليبيا في نهج سياستها المعادية للمغرب، عبر تقديم دعم لا محدود لجبهة البوليساريو، وكانت وزارة الخارجية المغربية عندما تكتشف إثر كل معركة أن الأسلحة التي بحوزة البولياريو مصدرها الاتحاد السوفياتي وتأتي عبر ليبيا، تستدعي السفير الليبي عبد الله السويسي وتستفسره عن سبب هذه المواقف العدائية بحسب ما يحكي الصحافي السوداني في كتابه.
وتطور هذا الدعم إلى اعتراف ليبيا رسميا في 15 أبريل من سنة 1980 بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد في 27 فبراير من سنة 1976
آنذاك، أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع ليبيا. بالمقابل عمل القذافي على تقديم المساعدات المالية إلى عدد من الدول الإفريقية الفقيرة، مقابل ضمان مساندتها لـ”جمهورية” البوليساريو.
الاتحاد العربي الأفريقي
وبقيت الأمور على حالها إلى حدود 13 غشت من سنة 1984 حيث انقلبت الأمور رأس على عقب، على نحو مفاجئ، وظهرت إلى حيز الوجود اتفاقية وجدة بين المغرب وليبيا “لتعلن إلى الأمة العربية من محيطها إلى خليجها وإلى العالم كافة، عزم المملكة المغربية والجماهيرية الليبية على العمل يدًا بيد من أجل تطوّر البلدين الشقيقين في جميع الميادين، ولوضع اللبنة الأولى في صرح وحدة المغرب العربي، تلك التي ستكون جنين وحدة الأمة العربية كلها”.
لكن شهر العسل المغربي الليبي انتهى بعد سنتين، وذلك بعد الزوبعة السياسية التي أثارتها زيارة الوزير الأول الإسرائيلي شيمون بيريز للمغرب بتاريخ 21 يونيو من سنة 1986 في إطار ما يُعرف بلقاء إفران.
القذافي واغتيال الحسن الثاني
بعد لقاء الحسن الثاني ببيريز، عادت العلاقات بين البلدين إلى التوتر مجددا، وتطور الأمر إلى حد تفكير القذافي في اغتيال الملك الحسن الثاني.
فخلال لقاء تلفزيوني مع قناة العربية، قال المدير السابق للدائرة السياسية في حركة فتح الفلسطينية، عاطف أبوبكر، إن القذافي نسق مع صبري خليل البنا، المعروف باسم أبو نضال، وهو مؤسس مجلس فتح الثوري، بعد انشقاقه عن حركة فتح الفلسطينية، وكان معروفا بعمله كجندي مرتزق، (نسق معه) من أجل اغتيال الحسن الثاني.
لكن العملة ألغيت خوفا من ردة الفعل العنيفة من الرباط تجاه طرابلس، وأيضا بسبب عقد صفقات سياسية وأمنية بين النظامين حينها، أبرزها كانت صفقة تسليم المغرب الضابط الليبي عمر المحيشي الذي كان يقيم بالبلاد، والذي شارك في محاولة انقلابية فاشلة في عام 1975 ضد نظام القذافي.
تراجع الدعم الليبي للبوليساريو
بعد ذلك بدأت العلاقات بين ليبيا وجبهة البوليساريو تشهد بعض الفتور، رغم أن القذافي لم يسحب اعترافه بـ”الجمهورية الصحراوية”، وأصبحت المساعدات الليبية للجبهة الانفصالية قليلة وضئيلة.
وكان الحدث الوحيد الذي استفز المغاربة منذ ذلك الوقت، هو استقبال القذافي زعيم البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز خلال احتفالات “ثورة الفاتح” في شهر شتنبر من سنة 2009.
لكن اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي للجماهيرية الليبية، أصدرت بيانا آنذاك فسرت فيه ملابسات استقبال محمد عبد العزيز وقالت إن “لا وجود لأية أبعاد سياسية في هذا الخصوص، وهي تعبر عن حرصها الشديد، على استمرار وتدعيم وترسيخ العلاقات الأخوية والإستراتيجية بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات”.
البوليساريو ورد الجميل
وفي شهر فبراير من سنة 2011، وصلت رياح الربيع العربي إلى ليبيا وعمت الاحتجاجات المدن الليبية، وتحولت هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة بين أنصار القذافي ومعارضيه، وتناقلت وكالات أنباء دولية خبر تورط البوليساريو في قمع الثورة، وهو ما نقلته مؤسسة “هيودسن” التي أفادت بأن:
“الثوار الليبيين اعتقلوا نحو 556 مقاتلاً من جبهة البوليساريو”، موضحة أن القذافي قد “دعم البوليساريو ضد المغرب ماليًا ولوجستيا منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، واختير أكثر من مائتي مقاتل من الجبهة، مدربين بشكل جيد على مهارات حرب العصابات بناء على طلب القذافي وتم تسليحهم برشاشات كلاشينكوف والقنابل اليدوية وقاذفات الصواريخ وأرسلوا بسيارات الدفع الرباعي إلى ليبيا”.
وجاء في صحيفة “تيليغراف” البريطانية نقلا عن موظفين سامين بحلف شمال الأطلسي أن القذافي صرف ما مقداره 3.5 مليون دولار، من أجل استقدام المئات من المرتزقة من شمال إفريقيا، بقيمة 10 آلاف دولار لكل واحد طيلة شهرين، وأن أغلب أولئك المرتزقة، كانوا من صحراويي الصحراء الغربية.
سحب الاعتراف بـ”جمهورية البوليساريو”
أسس معارضو القذافي مجلسا ثوريا، وأثناء اشتداد القتال مع كتائب القذافي، خرج المجلس بتصريحات، تدعم “مغربية الصحراء” وترفض الاعتراف بـ”الجمهورية العربية الصحراوية”، وقال أبو القاسم علي مبعوث المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى المغرب في تصريح صحافي “لن تبقى ليبيا طرفًا داعمًا لجبهة البوليساريو ما بعد نظام العقيد معمر القذافي، بل ستدعم الوحدة الترابية للمملكة”.
وفي 20 أكتوبر من سنة 2011 قتل القذافي بعد أسره من قبل معارضيه، في مدينة سرت رفقة وزير دفاعه وحراس شخصيين، إثر هروبهم من غارة للناتو يعتقد أنها من قوات فرنسية، استهدفت قافلة مكونة من عدة سيارات. وقتل معه أبو بكر يونس وزير دفاعه وابنه المعتصم.
وفي 16 يوليوز من سنة 2012، أعلن صناع القرار الجدد، في طرابلس سحب اعترافهم رسميا بـ”الجمهورية العربية الصحراوية”، لتفقد بذلك جبهة البوليساريو أحد أبرز داعميها في القارة الإفريقية.