دعا تقرير حديث نشره معهد “أمريكان إنتربرايز” إلى إعادة تقييم فعالية بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن العديد من هذه البعثات قد فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية، بل ساهمت في تبديد الموارد المالية وزيادة التوترات بدلاً من العمل على تسويتها. وركز التقرير على بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء المغربية (المينورسو) كمثال بارز على هذا الفشل المستمر، حيث لم تتمكن البعثة من إجراء الاستفتاء الذي أُسست من أجله في عام 1991، رغم مرور أكثر من 30 عامًا على إنشائها.
ورغم إنفاق مليارات الدولارات على بعثة المينورسو، أشار التقرير إلى أنها لم تتمكن من إنجاز المهام الأساسية التي كانت مخصصة لها، مثل تنظيم الاستفتاء أو حتى إجراء إحصاء للسكان. هذه النتائج السلبية تثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذه البعثات، لاسيما في ظل استمرار النزاع في المنطقة. ومن جانب آخر، انتقد التقرير الدعم المستمر من الأمم المتحدة لهذه البعثات، مؤكدًا أن هذا الدعم يعزز من موقف جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي ويؤجج النزاع بشكل أكبر.
كما أشار التقرير إلى تناقض الموقف الأمريكي في هذا السياق، حيث ترى الولايات المتحدة، التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء، أن استمرار دعم الأمم المتحدة لهذه البعثات يعد بمثابة خيانة لمشاركة المغرب في اتفاقات “أبراهام”.
وفي هذا السياق، أكد أحمد نورالدين، الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في ملف الصحراء، أنه كان قد دعا، في مقالات ولقاءات تلفزيونية، إلى إنهاء مهام المينورسو في الصحراء المغربية في عام 2018، مشيرًا إلى وجود العديد من النقاط المشتركة بين ما كتبه وما تضمنه التقرير الأمريكي.
وأوضح نورالدين أن التقرير الأمريكي اعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية: الأول يتعلق بتقليص نفقات الأمم المتحدة التي تصرف مليارات الدولارات على بعثات حفظ السلام عبر العالم، رغم فشلها في تحقيق مهامها. والثاني أن هذه البعثات تساهم في تغذية النزاعات واستمرارها بدلًا من حلها. أما المرتكز الثالث، فهو أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء يتناقض مع تمويلها لبعثة تهدف إلى إجراء الاستفتاء.
وأضاف نورالدين أنه استند في مبرراته إلى فشل المينورسو في أداء المهمتين الوحيدتين اللتين أُنشئت من أجلهما: الاستفتاء ووقف إطلاق النار. فقد ذكرت الأمم المتحدة في تقرير أمينها العام عام 2004 أنه من المستحيل تنظيم الاستفتاء بسبب انسحاب الجبهة الانفصالية من لجان تحديد الهوية، مما أدى إلى إجهاض العملية برمتها. أما المهمة الثانية، المتعلقة بمراقبة احترام اتفاق وقف إطلاق النار، فقد انتهت منذ سنوات بسبب تسلل الميليشيات الانفصالية إلى المنطقة العازلة، في خرق واضح لما نص عليه اتفاق 1991. وقد قامت الجبهة الانفصالية ببناء منشآت في بير لحلو وتفاريتي، وأجرت استعراضات عسكرية لميليشياتها في خرق آخر للاتفاق. كما وصلت الأمور إلى منع بعثة المينورسو من أداء مهام المراقبة، وحدثت حوادث خطيرة، من بينها إطلاق عيارات نارية تحذيرية في وجه البعثة في 2017.
واستطرد قائلاً: “توسعت الجبهة الانفصالية بعد ذلك في تصعيد أخطر، حيث بدأت في قطع الطريق في معبر الكركرات بشكل متفرق في نفس السنة، ثم قامت بقطع الطريق بشكل مستمر لمدة ثلاثة أسابيع في 2020. وكان آخر مسمار في نعش المهمة الثانية للمينورسو هو إعلان الجبهة الانفصالية في 2020 عن تنصلها الرسمي من اتفاق وقف إطلاق النار ومن مسلسل التسوية الأممي، معلنة عودتها إلى حمل السلاح. كما شرعت الجبهة في إصدار بيانات حول قيامها بقصف مواقع القوات المسلحة الملكية، وتطور الأمر إلى قصف أحياء مدنية في مدينة السمارة في مايو 2024. وكل هذه الأفعال تقوض المسار الأممي للتسوية وتلغي اتفاق 1991، مما يجعله غير ذي موضوع”.
وأكد نورالدين أن فشل المينورسو في أداء مهامها جعل استمرار وجودها غير مبرر، داعيًا المغرب إلى مطالبة مجلس الأمن بسحب عناصرها المدنية والعسكرية، وهو حق من حقوق المملكة، لأن وجود المينورسو في شقّيها المدني والعسكري مستند إلى اتفاق ثنائي بين الأمم المتحدة والمغرب، ومن حق الأخير إنهاؤه متى شاء.
وأشار المصدر ذاته إلى أن سحب المينورسو وإنهاء مهامها سيكون تجسيدًا حقيقيًا للانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة الحسم التي دعا إليها العاهل المغربي في 2024، مما يشكل قطيعة مع دائرة مفرغة لا تخدم سوى مصالح العدو الإقليمي للمغرب، الذي يسعى لإبقاء النزاع قائمًا لأسباب داخلية تتعلق بتخفيف أزماته من خلال شحن الرأي العام ضد “عدو خارجي”، بالإضافة إلى حسابات جيوسياسية تهدف إلى تصفية الحدود الموروثة عن الاستعمار. كما أن الجمود وإبقاء الوضع على ما هو عليه يخدم مصالح القوى الكبرى التي تمارس الابتزاز باستخدام ورقة النزاعات للحصول على امتيازات وصفقات عسكرية ومدنية.
ولفت الخبير في ملف الصحراء إلى أن المغرب سيتعين عليه اتخاذ مبادرة داخل اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار، والتخلي عن المقاربة الحالية التي تقتصر على تعديلات طفيفة على التوصية الجزائرية، مؤكدًا أن هذا يشكل عيبًا كبيرًا في حق المغرب والمغاربة، فلا يمكن لأي دولة أن توافق على مشروع قرار أو توصية يقدمه عدوها ويتعلق بسيادتها الوطنية. وأوضح أنه من باب الانسجام مع الدينامية الجديدة للاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، بما فيها دولتان عضوان دائمان في مجلس الأمن، ومن باب الانسجام مع الخطاب الملكي الداعي إلى التغيير، ينبغي على وزارة الخارجية المغربية تغيير مقاربتها في اللجنة الرابعة، وتقديم مشروع توصية مغربي مضاد للمشروع الذي تدعمه الجزائر، مع التحضير الجيد للمعركة وبتنسيق مع أصدقاء المغرب وحلفائه.