السبت, مارس 22, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيمن المدرسة الرائدة إلى المدرسة الجديدة هل يحرك مجلس المالكي المياه الراكدة؟...

من المدرسة الرائدة إلى المدرسة الجديدة هل يحرك مجلس المالكي المياه الراكدة؟ – لكم-lakome2


شهد هذا الأسبوع حدثان تربويان ينذران بانعطاف كبير في مسار إصلاح منظومة التربية والتكوين في بلادنا. بطل هذين الحدثين البارزين هو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي يعتبر هيئة دستورية ذات مهام استراتيجية قوامها توجيه المنظومة وتقييم أدائها. وتفعيلا لهذه المهام أصدر المجلس تقييما لمدارس الريادة ووثيقة حول المدرسة الجديدة. وكان مثيرا للانتباه أن يتزامن الإعلان عن الوثيقتين في إشارة واضحة إلى أن بينهما ترابط عضوي وعلاقة منطقية. ولعل العنوان الذي يليق بالتحليل العميق للتقريرين هو حتمية الانتقال من المدرسة الرائدة التي تجسد مفهوم المدرسة القديمة إلى الرؤية الاستراتيجية التي تعبر عن مفهوم المدرسة الجديدة. لقد بدا جليا من مضمون وثيقة المجلس حول المدرسة الجديدة ومن الأسلوب الذي كتبت به أن هذه الهيئة الدستورية لم تعد تحتمل الانزياح الحكومي عن تطبيق الإصلاح كما جاءت به الرؤية الاستراتيجية وأعطاه الشرعية القانونية القانون الإطار 51.17. كما بدا واضحا أيضا من تقييم مدارس الريادة أن هذه الأخيرة لم تحقق النجاح الذي كان متوقعا منها فضلا عن أنها بعيدة كل البعد عن تمثل شمولية الإصلاح بل تتبنى تصورات تربوية وتدبيرية تعود لما قبل الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

آراء أخرى

إن أهمية التقييم الذي قام به المجلس الأعلى تكمن في كونه خارجي أنجز من طرف هيئة دستورية وهو ما يجعله يحظى بالمصداقية المؤسساتية ويسمو على جميع التقييمات السابقة التي خضع لها مشروع مدارس الريادة، والتي ظلت إما جزئية تنصب على بعد من الأبعاد، أو داخلية تفتقد للشروط الموضوعية الضرورية، أو مفرطة في التفاؤل إلى درجة تضخيم النقط الإيجابية وإخفاء الجوانب السلبية. لكن العنوان العريض لهذا التقرير الأخير حول المدارس الرائدة هو أن الإيجابيات القليلة التي رصدها فيما يتعلق بالأثر على التعلمات تخفي سلبيات جوهرية على هذا المستوى بالذات وعلى مستوى التصور الناظم للمشروع وطريقة تدبيره الميداني. كما أن الخلاصة الأساسية للتقرير يمكن إيجازها في نقطتين رئيسيتين. الأولى هي أن التجربة غير قابلة للتعميم في ظل الإكراهات التي تعيقها على مستوى التأطير التربوي وتأهيل المؤسسات وتجهيزها. والثانية هي أن النموذج مخالف تماما للتوجهات والاختيارات الكبرى المتضمنة في الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار. ويبدو أن وثيقة المجلس حول المدرسة الجديدة ما هي إلا جواب على الانزياح الاستراتيجي الذي حصل على مستوى تمثل الإصلاح في قطاع التربية الوطنية والمتجسد في مدارس الريادة. بل إن المتمعن في الرهانات السبعة الواردة في الوثيقة المذكورة يجد بأن ما يتم على صعيد المدارس الرائدة يذهب في الاتجاه المعاكس لما تذكر به من تدابير سبق للرؤية الاستراتيجية أن جعلتها من ضمن أولوياتها. وهكذا إذا كانت وثيقة المدرسة الجديدة تدعو إلى تعزيز استقلالية المؤسسات التعليمية لتصبح “مؤسسات قائمة بذاتها”، وإلى تعزيز الحكامة المحلية من خلال تفويض الصلاحيات للمؤسسات التعليمية، وإلى إشراك الجماعات الترابية في تمويل ودعم المؤسسات التعليمية، وإلى تعزيز دور الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كجهات فاعلة في تنفيذ السياسات التربوية، وإلى التركيز على التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات، وإلى إزالة الحواجز بين مكونات المنظومة التربوية لإنشاء منظومة متجانسة وفعالة، وإلى تعزيز دور القيادة التربوية في إدارة التغيير وضمان استمرارية الإصلاح. فعلى العكس من ذلك تعتبر مدارس الريادة المؤسسات مجرد منفذة للتعليمات المركزية ولا تتمتع بصلاحيات تقريرية، وتقصي الجماعات الترابية من تدبير الشأن التربوي، وتتبنى التدبير العمودي المباشر من المركز في تجاوز لصلاحيات البنيات الجهوية والإقليمية، وتركز فقط على المعارف الأساسية وعلى المتعثرين، وتركز اهتمامها على التعليم الابتدائي دون تنسيق مع باقي مكونات المنظومة التربوية، وتعتبر الفاعلين التربويين مجرد أدوات تنفيذية لا دور لها في ابتكار الحلول والمشاركة المبدعة في الإصلاح.

وإذا كان تقرير الهيئة الوطنية للتقييم يبشرنا بأن نسبة التلامذة الذين تحسن مستواهم بعد أن استفادوا من الدعم التربوي والتدريس الصريح تراوحت ما بين %67 و %50 فإنه ينبهنا إلى أن هــذه النســب تتراجع عندما يتعلق الأمر بالمستويات العليا من الابتدائي، بل إن نســبة كبيرة من المتعلمين، تتراوح ما بين %26 و%55، إما لم تحقــق أي تقــدم أو تراجع مستواها. لكن ما يثير الانتباه أكثر، لأنه يسائل النموذج البيداغوجي لمدارس الريادة، هو أن التقدم الذي حققته نسبة من التلامذة لم يتم بفضل منهجية التدريس الصريح التي اعتبرتها الوزارة طريقة بيداغوجية فعالة، وإنما بفضل الدعم التربوي وهو ما يعني ببساطة أن المقاربة البيداغوجية التي تبنتها الوزارة لم تعط النتائج المنتظرة حتى على مستوى استيعاب المعارف الأساسية فما بالك إذا كان الطموح كما جاء في الرؤية الاستراتيجية هو تنمية الكفايات العليا لدى المتعلم المغربي من قبيل القدرة على الابتكار وحل المشكلات والفكر النقدي.

إن هذا التقييم يدق ناقوس الخطر ويذكر الحكومة بضرورة إرجاع قطار إصلاح التعليم إلى سكته الصحيحة من خلال إنتاج سياسات عمومية تتطابق مع توجهات الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار. لكن إذا كانت الوزارة عازمة فعلا على تغيير مسار الإصلاح من المدرسة القديمة التي تجسدها مدارس الريادة إلى المدرسة الجديدة التي تجسدها الرؤية الاستراتيجية، هل يسعفها الوقت ونحن على بعد سنة ونيف من نهاية الولاية الحكومية؟ وهل تستطيع تدارك الوقت الضائع دون برنامج استعجالي يسرع من وتيرة الإنجازات؟ إن المقارنة مع وضعية الوزارة سنة 2008 حين نبه تقرير المجلس الأعلى للتعليم إلى التأخر الحاصل في تطبيق الميثاق والقرار الذي ترتب عنه بإعداد المخطط الاستعجالي ترجح اتخاذ قرار مشابه اليوم. لكن الاختلاف المهم بين الحقبتين هو ميزانية القطاع التي كانت آنذاك شحيحة ولا تفي بمتطلبات الإصلاح وأصبحت اليوم في مستوى التطلعات بشهادة الحكومة نفسها. فهل يكون الخلل فعلا في تدبير الإصلاح أم في توجيهه؟

ربما تريد الوزارة من خلال الإعفاءات التي قامت بها مؤخرا أن تحدث صدمة مؤسساتية تساعدها على إعطاء انعطافة جديدة للإصلاح يكون عنوانها الأبرز هو العودة إلى تطبيق القانون الإطار. من حيث المبدأ يمكن لوزير التربية الوطنية إعفاء أي مسؤول تحت سلطته إذا ثبت أي إخلال جسيم بمهامه في إطار تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. بل إن تقييم الأداء من أجل تطويره يظل مطلوبا خاصة إذا شمل جميع الفاعلين بما في ذلك المسؤولين في مختلف مواقع المسؤولية. لكن ما لم يتم احترام الضوابط والشروط التي ينبغي أن تحتكم إليها هذه العملية ذات الأثر الكبير على تفعيل الإصلاح فإنها قد تؤدي إلى انعكاسات سلبية على درجة الانخراط في الأوراش المفتوحة وإلى تفشي بعض الممارسات الملتوية يكون هدفها تحقيق الأهداف المسطرة من حيث الكم لكن دون اكتراث بالكيف. لتفادي ذلك ينبغي من جهة الحرص على موضوعية التقييم من خلال استناده إلى معايير مضبوطة تمكن من تحديد المسؤوليات بدقة لا تحتمل الخطأ. ومن جهة أخرى التركيز على التقييم التكويني الذي يروم تصحيح الاختلالات المرصودة بطريقة بيداغوجية مبنية على المواكبة الحثيثة للمعنيين بالأمر من أجل الرفع من قدراتهم التدبيرية، وعدم المرور إلى التقييم الجزائي إلا بعد فشل كل محاولات التقييم التكويني. إلى ذلك فإن إعفاء مسؤولين إقليميين في الوقت الذي يدبر فيه مشروع مؤسسات الريادة مركزيا يطرح بحدة سؤال مدى مسؤولية المسؤولين المركزيين والجهويين في تعثر المشروع على الصعيد الإقليمي، وهل تم تمكين المديرين الإقليميين من جميع الإمكانات والوسائل لأداء واجبهم على الوجه الأكمل؟ وهل لهم أي سلطة على الفاعلين الحقيقيين في الميدان؟ وأعني بهم أطر التدريس. إذا أضفنا إلى قائمة الإعفاءات حالة الكاتب العام فلربما كان الأمر يعكس نهجا تدبيريا صارما يقضي بإبعاد كل من ثبت عليه أي إخلال بواجباته أو تقصير في مهامه بغض النظر عن موقعه في السلم الإداري. لكن ما يروج من مصادر متعددة وأصبح معروفا لدى الجميع هو أن تدبير مشاريع الوزارة وعلى رأسها مدارس الريادة يتم بشكل مباشر من طرف ديوان السيد الوزير، وهو ما يطرح بقوة سؤال المسؤولية السياسية وليس فقط المسؤولية الإدارية عن الاختلالات التي تم رصدها وبنيت عليها قرارات إنهاء المهام.

إن الارتباك الاستراتيجي الذي نتج عن اعتبار النموذج التنموي الجديد معبرا عن تصور بلادنا لإصلاح التعليم، في حين لم يكن في أحسن الحالات سوى مكملا للرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، أدى بالحكومة إلى تبني خارطة طريق تغفل الكثير من الأولويات الضرورية لبناء مدرسة جديدة. والآن بعد أن بينت الهيئة الوطنية للتقييم بما لا يدع أي مجال للشك القصور الواضح لنموذج المدرسة الرائدة، وبعد الصرخة المؤسساتية التي أطلقها المجلس الأعلى من أجل الرجوع إلى الرؤية الاستراتيجية هل تعود الحكومة إلى جادة الصواب فترسي دعائم المدرسة الجديدة وتترك المجلس يفكر بعمق في الرهانات التربوية المستقبلية في أفق 2050، أم تتمادى في اختياراتها الحالية؟



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات