أصبح تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الشباب قضية ملحّة تثير القلق بشكل متزايد، خصوصًا مع انتشار ظواهر خطيرة بين المستخدمين، كان آخرها حادث مأساوي شهده المغرب، حيث أقدم شاب في العشرينيات من عمره على إشعال النار في جسده خلال بث مباشر على تطبيق “تيك توك” ضمن تحدٍّ خطير، قبل أن يرمي نفسه في البحر، في مشهد صادم انتهى بمأساة حقيقية.
هذا الحادث المؤلم فتح الباب أمام نقاش مجتمعي واسع حول خطورة التحديات التي تنتشر على هذه المنصات ومدى تأثيرها السلبي على فئة الشباب والمراهقين، الذين غالبًا ما يقعون ضحايا لمحتوى غير مسؤول.
تزايد انتشار التحديات القاتلة التي تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل خاص يطرح تساؤلات حول دور شركات التكنولوجيا في ضبط المحتوى الذي يُنشر عبر منصاتها، ومدى التزامها بحماية الفئات الهشة من المحتوى الذي قد يدفعهم إلى سلوكيات متهورة.
ومع تكرار مثل هذه الحوادث، تصاعدت الدعوات لحظر تطبيق “تيك توك” في المغرب، معتبرين أنه أصبح بيئة خصبة لانتشار محتوى غير أخلاقي أو محفوف بالمخاطر، يجرف الشباب نحو ممارسات تهدد حياتهم أو تسيء إلى القيم المجتمعية.
النقاش حول مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد مقتصرًا على الأوساط الإعلامية والمجتمعية، بل دخل قبة البرلمان، حيث وجه النائب البرلماني محمد شوكي عن حزب التجمع الوطني للأحرار سؤالًا إلى وزارة العدل حول الإجراءات التي تعتزم اتخاذها للحد من هذه الظواهر المقلقة.
وأكد شوكي في معرض سؤاله أن هذه التحديات باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة الأطفال والمراهقين، في ظل غياب رقابة فعالة من الشركات المالكة لهذه المنصات.
ورغم تأكيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي في وقت سابق أن المغرب لا يمتلك سلطة مباشرة لحظر “تيك توك” بسبب التزامات قانونية دولية، فإن الضغط المجتمعي يتزايد من أجل إيجاد حلول عملية تحمي الشباب من الانزلاق نحو محتويات ضارة.
القلق من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي لم يتوقف عند حدود الظواهر الخطيرة، بل امتد ليشمل الأثر النفسي والسلوكي على المستخدمين، خاصة الأطفال والمراهقين.
وسبق أن أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرًا يحذر فيه من المخاطر الناجمة عن الاستخدام المفرط وغير الملائم لمنصات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أنها تؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، بالإضافة إلى التأثير على جودة النوم ومستوى التركيز.
هذه المعطيات تضع المسؤولين أمام تحدٍّ كبير يتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية وضمان بيئة آمنة لمستخدميها.
إلى جانب التأثير النفسي، كشف تقرير صادر عن المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار أن 43% من المستجوبين يهملون حاجاتهم الأساسية مثل الأكل والنوم بسبب الإدمان على الأجهزة الرقمية، فيما أكد 36% منهم أنهم دخلوا في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم بسبب هذا الاستخدام المفرط.
كما أظهر التقرير أن 42% من الشباب شهدوا تراجعًا في نتائجهم الدراسية نتيجة إدمانهم على الشاشات، ما يعزز المخاوف بشأن التداعيات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على التحصيل العلمي والتفاعل الاجتماعي.
في ظل هذه الأوضاع، أصبح من الضروري التفكير في حلول عملية لمواجهة هذه الظواهر المتنامية، حسب التقرير، بينها تعزيز التوعية الرقمية داخل المؤسسات التعليمية، وتطوير سياسات رقابية أكثر صرامة على المحتوى المنشور، وتشجيع الأسر على متابعة أبنائها وتوعيتهم بمخاطر بعض التحديات المنتشرة على الإنترنت.
ويواجه المغرب، على غرار العديد من الدول، تحديًا معقدًا في إدارة المحتوى الرقمي، لكن التحرك السريع والحاسم قد يكون الحل الوحيد لتجنب تكرار المآسي التي أصبحت تهدد حياة الشباب في العصر الرقمي.
The post إدمان سوشل ميديا والتحديات القاتلة.. هل آن الأوان لوضع ضوابط صارمة؟ appeared first on الجريدة 24.