في الوقت الذي دأبت فيه التصريحات الرسمية على ربط ارتفاع معدلات البطالة في المغرب بتداعيات الجفاف وتضرر القطاع الفلاحي، خرج والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، بطرح مختلف، مسلطا الضوء على عامل آخر يراه جوهريا في تفسير الظاهرة، إنه ضعف مستوى التعليم والتكوين المهني.
وبالنسبة له، لا يمكن الحديث عن حلول جذرية دون معالجة الخلل في منظومة التكوين، وإلا فستظل الجهود المبذولة أشبه ببناء منزل دون أساس متين، هذا التصريح يفتح باب النقاش حول مدى نجاعة السياسات الحالية في تأهيل الشباب لسوق الشغل، ويطرح تساؤلات حول حقيقة الأسباب الكامنة وراء البطالة.
وحديثا عن وضعية سوق الشغل بالمغرب أكد بنك المغرب في اجتماعه الفصلي أن المعطيات المتعلقة بسنة 2024، تظهر أن الوضع لا يزال يعاني من تقلص الإنتاج الفلاحي، مع فقدان 137 ألف منصب إضافي في قطاع الفلاحة بالمقابل، عرف التشغيل غير الفلاحي بعض الانتعاش مع إحداث 160 ألف منصب في قطاع الخدمات و 46 ألفا في الصناعة و13 ألفا في البناء والأشغال العمومية.
وأخذا بعين الاعتبار الدخول الصافي لما عدده 140 ألف باحث عن عمل، انخفضت نسبة النشاط بشكل طفيف إلى 43,5، وارتفعت نسبة البطالة إلى 13,3% على المستوى الوطني، وإلى 6,8 في المناطق القروية وإلى 16.9 في المجال الحضري.
في هذا السياق، اعتبر خبير التخطيط الاستراتيجي، أمين سامي، أن أزمة البطالة في المغرب هي نتيجة تداخل عوامل هيكلية وظرفية، تجمع بين تحديات التكوين والتأهيل من جهة، وتقلبات الظرفية الاقتصادية والمناخية من جهة أخرى.
وأوضح المتحدث قائلا: “صحيح أن ضعف التكوين يمثل أحد الأسباب في هذه الأزمة، وهو ما وضع عليه والي بنك المغرب يده بدقة، غير أن الصورة أشمل وتستلزم مقاربة متعددة الأبعاد”.
وأكد الخبير في تصريح ل “العمق” أن خفض سعر الفائدة الرئيسي إلى 2.25% يأتي كخطوة إيجابية لتحفيز الدورة الاقتصادية، وتيسير التمويل أمام المقاولات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، بهدف خلق فرص الشغل وتعزيز الاستثمار.
واستدرك المتحدث قائلا: لكنه يظل إجراء داعما يحتاج إلى تضافر السياسات العمومية، وخاصة الاستمرار في إصلاح منظومة التعليم والتكوين، وتعزيز التأهيل المهني لمواكبة التحولات الرقمية والاقتصاد الأخضر، وتعزيز مناخ الأعمال الاستثماري على المستوى الترابي، وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني.
وشدد المتحدث على أن المساهمة في جذب الاستثمارات المباشرة، وتثمين القطاعات الواعدة والمستقبلية خاصة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الاقتصاد الدائري، اقتصاد البيانات، المساهمة في خلق اقتصادات جديدة مثل، الاقتصاد المترابط 4.0، من أهم الأمور الواجب العمل على تعزيزها وتقويتها كي تدفع بالاقتصاد المغربي نحو التقدم والازدهار.
وشدد المتحدث أنه بالرغم من التحديات القائمة، إلا أن المغرب يراكم اليوم مكتسبات مهمة بفضل البرامج الوطنية الكبرى مثل مدن المهن والكفاءات، jobintech، وتحديث المناهج التعليمية، وتطوير التكوينات المواكبة للتطورات العالمية، وبالتالي فإن هذه الدينامية، إذا استمرت بوتيرة متصاعدة، ستساهم في خلق بيئة أكثر ملاءمة للاستثمار المنتج، وتقوية تنافسية الاقتصاد الوطني، وبالتالي فتح آفاق أكبر أمام الشباب للاندماج في سوق الشغل.
جدير بالذكر أن المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، أكدت انتقال معدل البطالة إلى 13,6 بالمائة خلال ذات الفترة من سنة 2024، مسجلا ارتفاعا بـ 0,4 نقطة بالوسط القروي، حيث انتقل من 7 بالمائة إلى 7,4 بالمائة بينما استقر في الوسط الحضري عند نسبة 17 بالمائة.
وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن المندوبية تحسنًا ملحوظا في سوق الشغل المغربي خلال الفترة الممتدة بين الفصل الثالث من عامي 2023 و2024، فقد شهد قطاع الخدمات إحداث 258 ألف فرصة عمل جديدة، بنسبة نمو بلغت 5%، فيما سجل قطاع البناء والأشغال العمومية توظيف 57 ألف شخص إضافي، مع تركيز النمو على الوسط القروي، والمقابل، حقق القطاع الصناعي نموًا طفيفًا بإضافة 23 ألف وظيفة جديدة.