يواصل الغلاء في المغرب ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة خلال شهر رمضان، حيث يرتفع الطلب على المواد الغذائية الأساسية، مما يخلق ضغطًا إضافيًا على الأسواق.
ومع تزايد شكاوى المواطنين من الارتفاع المهول للأسعار، تتكرر التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة، وما إذا كانت هناك حلول فعالة قادرة على كبح جماح التضخم الذي أصبح يثقل كاهل الأسر المغربية.
عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، لم يكن بعيدًا عن هذه النقاشات، حيث تحدث بشكل صريح عن الفجوة الواضحة بين الأرقام الرسمية حول التضخم والأسعار الفعلية التي يواجهها المواطنون في الأسواق.
بروح من الطرافة، أشار الجواهري في ندوة صحفية أعقبت انعقاد الاجتماع الفصلي لمجلس البنك المركزي إلى موقف زوجته التي دعته لمرافقتها إلى السوق لمعاينة الأسعار بنفسه، في إشارة إلى الفارق بين البيانات الاقتصادية الرسمية والواقع الملموس للمستهلكين.
وأكد الجواهري أن الأسعار بطبيعتها تميل إلى الارتفاع بسرعة، لكنها تنخفض ببطء شديد، ما يجعل عودة الأسعار إلى مستوياتها السابقة أمرًا صعب التحقيق، خاصة عندما يكون العرض محدودًا والطلب مرتفعًا.
في سياق متصل، جاء القرار الملكي بإلغاء شعيرة ذبح الأضاحي لهذا العام كإجراء استثنائي لتخفيف الضغط على القطيع الوطني، في ظل تراجع أعداده.
واعتبر الجواهري هذا القرار خطوة ذكية، حيث إن استيراد اللحوم الحمراء ساهم في الضغط على الأسعار ومحاولة الحد من ارتفاعها، مشددًا على أن العرض والطلب يظلان العامل الأساسي في تحديد كلفة المواد الاستهلاكية.
رغم محاولات الحكومة لضبط الأسعار من خلال توسيع العرض عبر الاستيراد، لا تزال العديد من الأسر المغربية تعاني من الغلاء المعيشي، حيث يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن التضخم الملموس الذي يشعر به المواطنون غالبًا ما يكون أكثر حدة من النسب المعلنة رسميًا.
ويرجع ذلك إلى أن الإحصائيات تعتمد على مؤشرات تشمل جميع المواد الاستهلاكية، حسب الجواهري بينما يشعر المستهلك بالغلاء بناءً على أسعار المواد الأكثر طلبًا والتي تشكل جزءًا أساسيًا من نفقاته اليومية.
الجواهري لم يُخفِ قلقه بشأن استمرار الضغوط التضخمية وتأثيرها على السوق، محذرًا من أن أي ارتفاع جديد في الأسعار سيكون من الصعب التراجع عنه بسهولة.
وبيّن أن المشكلة الأساسية تكمن في سلوك التجار، حيث يعتادون على تحقيق أرباح مرتفعة خلال فترات الغلاء، مما يجعلهم مترددين في خفض الأسعار حتى بعد تراجع تكاليف الإنتاج أو زيادة العرض.
على الرغم من أن الحكومة تسعى إلى تعزيز رقابة الأسواق وضبط الأسعار من خلال سياسات استيرادية، فإن الوضع لا يزال معقدًا.
فالتحدي الحقيقي يكمن في تحقيق توازن مستدام بين العرض والطلب، مع ضمان حماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وإذا لم تُتخذ إجراءات أكثر عمقًا لمعالجة جذور الأزمة، فقد يظل الغلاء واقعًا مستمرًا، يعصف بالمستهلكين ويفرض تحديات جديدة على الاقتصاد المغربي في الأشهر المقبلة.