يشكل ضعف اللجوء إلى التكوين المستمر في القطاع الصناعي المغربي عائقًا كبيرًا أمام تطور الاقتصاد الوطني وقدرته التنافسية.
فقد كشف تقرير صادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن أقل من 1% من المقاولات المغربية تعتمد برامج التكوين المستمر، وهو واقع يضعف إنتاجية الشركات ويحدّ من جاهزية اليد العاملة لمواكبة التحولات المتسارعة في القطاع الصناعي.
هذه الفجوة في التكوين المستمر تتجلى بوضوح عند مقارنة المغرب بدول أخرى، حيث يستفيد أقل من 9% من الأجراء المغاربة من التكوين المستمر، مقابل نسب تفوق 45% في كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال.
ويرجع ذلك، وفق التقرير، إلى تعقيد المساطر الإدارية، ما يجعل الشركات تتردد في الاستثمار في هذا المجال، رغم أن التكوين يعدّ ركيزة أساسية لرفع كفاءة العمال وتحقيق التقدم الصناعي.
وأمام هذه الإشكالية، دعا الفاعلون الاقتصاديون إلى إصلاح الإطار التنظيمي المتعلق بحكامة وتمويل التكوين المستمر، مستندين إلى رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي شدد على أن توافر كفاءات مؤهلة يعدّ عنصرًا ضروريًا لتعزيز الإنتاجية.
كما نبه إلى أن عدم التوافق بين التكوين واحتياجات سوق الشغل يعرقل جهود التنمية الصناعية، ما يستدعي إعادة النظر في السياسات التكوينية الحالية لضمان انسجامها مع المتطلبات الحقيقية للاقتصاد.
ولتجاوز هذا الوضع، أوصى الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتوسيع برامج التكوين المهني بالتناوب لتشمل مؤسسات وقطاعات جديدة، مما يتيح للطلاب فرصة التعلم في بيئة مهنية حقيقية. ويعدّ هذا النهج أداة فعالة لتقريب عالم التعليم من واقع الصناعة، حيث يمكن للخريجين اكتساب مهارات تطبيقية تتلاءم مع احتياجات السوق بشكل مباشر، ما يعزز فرص تشغيلهم فور تخرجهم.
كما اقترح الاتحاد تعزيز الشراكات بين الجامعات والمدارس العليا من جهة، والمؤسسات الصناعية من جهة أخرى، بهدف تكييف المناهج التعليمية مع متطلبات سوق العمل.
ويركز هذا التوجه بشكل خاص على المجالات ذات الأولوية في المستقبل، مثل التكنولوجيات الرقمية، الطاقات المتجددة، وغيرها، التي تعتبر من المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي الحديث.
ومن بين التوصيات المطروحة أيضًا، ضرورة الاستثمار في برامج تكوينية متخصصة في الابتكار، نظرًا إلى أن بعض القطاعات، مثل صناعة الأدوية، تكنولوجيا الحوسبة السحابية، والأجهزة الطبية، تتطلب مهارات عالية المستوى.
ويمكن لمثل هذه البرامج أن تسهم في تمكين المغرب من تحقيق استقلالية صناعية ورقمية، وتعزيز موقعه كمركز إقليمي للتكنولوجيا والصناعة.
على الصعيد السياسي، لم يكن البرلمان بعيدًا عن هذه القضية، حيث وجّه النائب البرلماني محمد صباري، عن حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالًا إلى وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، مستفسرًا عن الإجراءات المزمع اتخاذها لتبسيط المساطر الإدارية، وتحفيز الشركات على الاستثمار في التكوين المستمر.
ويعكس هذا التدخل اهتمامًا متزايدًا من قبل الجهات التشريعية بضرورة معالجة الخلل القائم بين التكوين وسوق الشغل، لضمان دينامية اقتصادية أكثر تنافسية واستدامة.
في ظل هذه التحديات، يظل مستقبل سوق الشغل المغربي رهينًا بمدى قدرة الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين على بلورة حلول عملية تعزز من فرص التكوين المستمر، وترفع من كفاءة اليد العاملة، بما يتماشى مع طموحات المغرب في أن يصبح مركزًا صناعيًا متطورًا على المستوى الإقليمي والدولي.