كان بودنا كمراقبين و أكادميين و محللين أن نكون اليوم بعد 14 سنة على هبوب نسيم أول دينامية سياسية بشمال افريقيا، و ما ميزها محليا من قيادة حركة 20 فبراير لتلك الدينامية– خارج الصندوق الحزبي و النقابي – و التي أعقبها جواب من الدولة يوم 09 مارس 2011، والذي استطاع التجاوب مع مجمل الاستحقاقات الإصلاحية التي رفعها طيف مهم من تلك الدينامية، قلت كان بودنا أن نكون بصدد الحديث عما يعرف في أدبيات التنمية السياسية و الانتقالtransitologie بأليات الترسيخ و التوطيد الديمقراطي la consolidation démocratique بدل الاستمرار في المراوحة و اجترار نقاش استهلك ما يكفي من جهد الجسم المدني الديمقراطي المغربي لسنوات بعد 2011، والمتعلق بضرورات و متطلبات الانتقال الديمقراطيles préalables à la démocratisation، لكن…، لكن…، لكن نكوصية بعد الفاعلين من جهة، و انتهازية بعض الجسم الحزبي و النقابي و خيانتهما لرسالتهما السياسية من جهة أخرى، حكمتا على التجربة المغربية بالرسوب في القسم التحضيريpré-transition للانتقال الديمقراطي لمدة 14 سنة رغم أن سردية بعض “المتخصصين” لا تكل من النفخ في محاسن دستور “الحقوق و الحريات” طوال هذا العقد و نيف للمفارقة. على أية حال، مراد المقالة ليس الخوض مجددا في نقاش الأسباب و المسببات التي تقف وراء هذه المراوحة المؤسفة، بل المساهمة بما يمكن أن يفيد المغرب الراهن و رحلته الطويلة نحو ”دمقرطة دنيا” لثابتة الاختيار الديمقراطي المتوافق عليها. تبقى الغاية هي محاولة بسط و تفكيك بعض مداخيل ما العمل مغربيا؟
آراء أخرى
إستشعارا لحساسية المرحلة التي تجتازها بلادنا، والتي لن نبالغ إن قلنا عنها أنها أعقد من الحالة السياسية العامة قبيل 2011، يمكن القول أن خيارنا الديمقراطي في حاجة أكثر من أي وقت مضى لعمليات جراحية إصلاحية لا طالما أجلها التوجس الغير مبرر و سوء التقدير السياسي و ضعف الثقافة الديمقراطية للشعب المعبأ la population mobilisée électoralement و جل الأحزاب على حد سواء، هذه الخطوات يمكن إجمالها في ما يلي :
1.إعمال مقتضيات المسؤولية السياسية و الدستورية للحكومة على التجاوزات و الفضائح و الإهمال الذي أدى لما يمكن وصفه دستوريا بالمس بالسير العادي للمؤسسات الدستورية طبقا للفصل 59 من الدستور، و لعل في فضيحة هدر الحق الدستوري للمواطنين في الولوج للوظائف العامة العليا من خلال التعيينات المباشرة خارج الدستور و قوانينه التنظيمية و المساطر الجاري بها العمل، وما شاب مباريات المحاماة من تجاوزات و تضارب مصالح أعضاء حكومتنا الخاصة مع نفوذ مراكز سلطتهم التنظيمية كما أكدته أحكام مؤسسة دستورية، فضلا عن الدينامية الطلابية لطلبة الطب المهملة لسنة و المهنية لأساتذة الأكاديميات و اللجوء التعسفي للثلاثي الحكومي لاستغلال النفوذ عبر محاولة ترهيب السلطة الرابعة باستعمال المركز القانوني للحكومة، و كذا الاحتقان الشعبي الغير المسبوق على خلفية غلاء المعيشة و ارتفاع مستويات التضخم و البطالة أمثلة تقينا متاهة أي مزايدة سياسية أو دستورية حول ثبوت هذه المخالفات السياسية الجسيمة. إجرائيا، يمكن ترتيب الأثر و ربط المسؤولية بالمحاسبة عن هذا “الفشل الحكومي المعاين” عبر استقالة أو إقالة الحكومة،
2.تكليف حكومة أزمة غير حزبية لمدة 6 أشهر إلى سنة على أن تكلف بتصريف الأعمال الى حين إجراء انتخابات جديدة بقواعد لعبة معقلنة و جادة و باعثة للثقة،
3.مباشرة ورش تفكيك و إعادة هيكلة المشهد الحزبي décomposition et recomposition، و ذلك عبر إصلاح يدفع في اتجاه الانتقال لفعل سياسي تمثيلي مهيكل حول ثلاثة أقطاب إيديولوجية : التيار اليميني كتعبير عن الحساسية المحافظة و الاسلامية، التيار اليساري كتعبيرعن اليسار الحقيقي المسنود بالشرعية القاعدية، بعيدا عن حظوة و قواسم و امتيازات ريع “الذاكرة اليسارية” لليسار المغربي المتشظي، و التيار الوطني الديمقراطي كتعبير عن الحساسيات المدافعة عن تامغربيت بكل ألوانها و تعبيراتها.
4.إطلاق حوار وطني شامل و دامج inclusif حول آليات صيانة ثابتة الخيار الديمقراطي كتعبير عن تعاقد مجتمعي، و ذلك من خلال بلورة توافقات كبرىcompromis stratégiques حول تدبير و حماية التداول السلمي على السلطة و شفافية و جدية العملية الانتخابية، على أن يكون الهدف الأسمى لتلك التوافقات الوصول إلى صيغة عاكسة للإرادة الشعبية المعبرة في عيون الأحزاب و التنظيمات المدنية، علما أن تشكيك بعض الأحزاب في مخرجات تلك الاستحقاقات منذ السبعينيات و إلى عهد قريب، نظرا لغياب مثل هذه التوافقات و النقاشات السياسية الدامجة.
ختاما، يحق لأنصار تسييسla politisation تدبير الشأن العام التساؤل إذا كان كل الحماس الديمقراطي الذي تلا دينامية “ربيع الشعوب” الغير مكتمل في نسخته المحلية لم يترجم في سلم الإرادة الشعبية و الفصلين2 و 11 من الدستور إلا بمقدار “مليون صوت” أنذاك، فكيف يمكن يا ترى الدفاع عن استمرار نفس النموذج السياسي في تقرير مصير و مصالح مغرب 2025 و 37 نسمة، خاصة و أن رئيس الدولة سبق له أن حسم أمر فشل نموذجنا الاجتماعي و الاقتصادي والإداري بمشهده الحزبي المترهل و المتورم، و ذلك منذ متم العقد الثاني من الألفية الثالثة؟
باحث في القانون العام و العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس،
رئيس المركز الإفريقي للأبحاث و الدراسات الإستراتيجية
*مضمون المقالة مقتبس من تدوينة نشرت في 20 فبراير 2025 بالفرنسية تحت عنوان ” رأينا في ما العمل أمام الأزمة الحالية: في الحاجة لتفكير دولاتي جدي للمرور لفعل سياسي بفاعلين جدد ”.