السبت, مارس 15, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيمغرب الزوايا. زاوية سيدي التاودي بن سودة (الحلقة 13)

مغرب الزوايا. زاوية سيدي التاودي بن سودة (الحلقة 13)


سُمّيت زاوية سيدي التاودي بن سودة، وهي زاوية ومسجد في فاس البالي، المدينة العتيقة لِفاس، باسم محمد التاودي بن سودة، المتُوفي في 1795، وهو شيخ صوفيٌ عاشَ في القرن الثامن عشر،

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

سُمّيت زاوية سيدي التاودي بن سودة، زهي زاوية ومسجد في فاس البالي، المدينة العتيقة لِفاس، باسم محمد التاودي بن سودة، المتُوفي في 1795، وهو شيخ صوفيٌ عاشَ في القرن الثامن عشر، يعدّه البعض مِن أبرز المُفكرين والعلماء المسلمين في تاريخ المغرب.

وتقع الزّاوية بالقُرب من شارع زقاق بغال في حي سوق بن صافي، وتتكون من مسجد يضم قاعة للصلاة بها فناء داخلي (الصَّحن) وبيت الوضوء والمئذنة.

وتقع الزاوية على طُول جدار القبلة (الجدار الجنوبي الشرقي) الذي يتميَّز بقبعة خشبية. وزُيّن محراب المسجد بالجص المنحوت والمطلي، ويُحيط به من أحد الجهات كتابان عربيَّان على بلاط زليج. يَبلغُ ارتفاع المحور الرئيسي للمئذنة 20.3 مترًا، بينما يبلغ ارتفاع العمود أو الفانوس الثانوي 4.3 مترًا.

ويعد أبو عبد الله محمد التاودي بن الطالب بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن أبي القاسم بن محمد بن أبي القاسم ابن سودة المري الفاسي، بحسب ما ورد في مقال نشرته “دعوة الحق”، من أكبر العلماء الذين أنجبتهم مدينة فاس بل والمغرب عموما.

استحق لقب شيخ الجماعة بورعه وتبحره في العلوم، ولقب ملحق الأحفاد بالأجداد بكثرة ما احتوت عليه فهرسته من الأعلام، إذ فيها شيوخه الذين أخذ عنهم، ومن أشهرهم محمد بن أحمد ابن جلون، وأحمد بن علي الوجاري، وعلي بن أحمد الشدادي، وأحمد بن المبارك السجلماسي الذي كان عمدته في رواية الحديث، ومحمد بن الحسين الكندوز، ويعيش بن الرغاي الشاوي الفاسي، ومحمد أحمد التماق، ومحمد بن اسم جسوس، وسلك التاودي ابن سودة طريق القوم على يد الشّيخ الشهير أحمد بن محمد الصقلي  .

وتخرج على يد الشّيخ التاودي عدد عديد من الطلبة، نذكر ولده أحمد، ومحمد بن الحسن الجنوي ، ومحمد بن علي الورزازي ، وأحمد الملوي، والطيب ابن كيران ، وإدريس العراقي، ويحيى الشفشاوني ، ومحمد بن عمرو الزرويلي ، وحمدون بن الحاج ، وسليمان الحوات ، ومحمد الرحموني.

 ولقي التاودي بن سودة في رحلته إلى الحجاز عام 1191 – 77 – 1778، جماعة من الأولياء والصالحين، والعلماء المشهورين، أمثال الشّيخ السمان، والشّيخ مرتضى الزبيدي، وألقى دروسا في كل من المدينة المنورة والقاهرة.

 ولابن سودة مؤلفات كثيرة يمكن تصنيفها كما يلي :

أ- في التراجم والمناقب والأنساب

1–  الفهرست؛

2ترجمة الشّيخ أحمد بن محمد الصقلي الحسيني؛

3نسب العراقيين الحسينيين القاطنين بفاس؛

4مناقب الصالحين؛

ب- في الحديث

1زاد المجد الساري في مطالع البخاري؛

2شرح الأربعين النووية؛

3شرح مشارق الأنوار للصغاني؛

ج- في الفقه

1طالع الأماني على شرح الزرقاني؛

2شرح تحفة ابن عاصم؛

3شرح لامية الزقاق؛

4شرح الجامع لخليل، بعنوان : إتحاف الناظر والسامع بشرح مسائل الجامع؛

5تحفة الإخوان بفوات الثنيا بطول الزمان؛

6مناسك الحج؛

7نوازل؛

8ما تم وضعه فتم نفعه؛

9ما أشرف على التمام وما صد عنه عائق الحمام؛

10الحسام المسنون في نصرة أهل السر المكنون.

 اشتهر الشّيخ التاودي بورعه وزهده، وتعظيمه البالغ للصالحين والإشراف، وبخاصة المولى عبد السلام بن مشيش الذي زار قبره، على ما يقال، ستين مرة، اشد في آخرها، وهو إذ ذاك شيخ فإن، الأبيات التالية:

 أتيتكم شيخا وكهلا وناشئا

وفي كلها أرجو نوالكم الجما

 فها أنا د خيمتها بفنائكم

على وهن، والضعف في بدني عما

 فلا ترجعوني دون فيض بحاركم

 ولا تحرموني من مواهبك العظمى.

لم يكن الشّيخ التاودي في الحقيقة شاعرا، فلم يترك إلا أبياتا متفرقة هنا وهناك، قالها في مناسبات مختلفة، غير أنها لا تخلو من إخلاص حق مؤثر، وتكاد تتسم كلها بسمة التصوف، من ذلك قوله :

 مضى عمري والحين حان حقيقة

    وما زالت في بحر الهوى أتقلب

 فوا أسفي إذ ضاع عمري سفاهة

    وما لي في أوج السعادة مطلب

 تشتمل فهرست الشّيخ التاودي على كبرى ذكر فيها شيوخه وما نال منهم من إجازات، وصغرى حوت أسماء أسماء وتراجم من لقي من الصالحين.

ومما قاله في الفهرست الكبرى :

لما من الله على العبد بالمرحلة لأرض الحجاز، وظفر بزيارة الحرمين، ونزل أرض مصر، لقي من علمائها وفقهائها من يشار إليه بالنبل في العصر، فطفحت نفوس طائفة لها بالعلم اعتناء، وفي الأخذ عن مشايخ الغرب رغباء، أن أقرأ لهم من كتب الحديث ما تيسر، وإن كنت في الحقيقة على جناح سفر. فاجمع الأمر على قراءة الموطأ بالجامع الأزهر، ولما افتتحناه وجرى في الدرس ذكر من أخذناه عنه أو رويناه، وقع ذلك من السامعين موقعا، وكأنهم يقولون لا نجد لهم مسمعا ولا مرجعا، فطلبوا مني أن أقيد لهم سندي في ذلك، وأن أصل حبلهم ورابطتهم من جهتي بالإمام مالك، مع سند الصحيحين، وذكر نبذة من مشايخي ممن شهد لي أو اشتهر وعلم” .

لهذا المقطع، كما ترى، أهمية خاصة بالنسبة لتاريخ العلوم الشرعية في نهاية القرن 12 = 18 (وهو تاريخ كتابة هذه الفهرست) إذ يبين مدى الإتقان الذي وصلت إليه دراسة الحديث في المغرب خاصة، وشمال إفريقيا عامة، بالنسبة إلى الأقطار الإسلامية الأخرى في المشرق.

وكانت وفاة الشّيخ التاودي بفاس يوم 29 ذي الحجة متم عام 1209 = 1795، وقد نيف على التسعين، حسب شهادة تلميذه سليمان الحوات41 ، وبذلك نفترض أن ولادته كانت عام 1117 = 1705، ودفن بزاوية واقعة في زفاف البغل أمام منزله، وقد تمتع هذا الشّيخ وأبناؤه وأحفاده بحظوة عظيمة لدى السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ثم لدى ولده وخلفه مولاي اليزيد، فكانا يعظمونهم ويوسعونهم عطاء، ورغم ذلك كان الشّيخ التاودي يظهر بسيطا صالحا، مسارعا إلى الخير رحيما، وعطوفا حليما، كما تدل على ذلك القصة التالية :

في أخريات أيام الشّيخ التاودي ابن سودة، وقد اشتدت نحافة جسمه وظهرت عليه مخائل الموت، انشد تلميذه سليمان الحوات في حقه :

قولوا لشيخكم ابن سودة أنه

   قرب الرحيل فهل له من زاد

عاش القرون وفاز من أيامه

   بالمال والأولاد والأحفاد

حتى إذا وفي الرياسة حقها

   أمسى الحمام لديه بالمرصاد

فلما أتاه الحوات، جعل الشّيخ يمسه بيده على ظهره ويقول له : “جزاك الله عنا خيرا، ذكرتنا يا بن الرسول” .



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات