وسط تساؤلات متزايدة عن مدى التزام الإدارات العمومية بتنفيذ توجيهات مؤسسة وسيط المملكة، كشفت معطيات صادمة عن نسبة تنفيذ توصيات بلغت 40.28% فقط خلال السنوات الأخيرة، تاركة أكثر من ثلثي المطالب الموجهة قيد الانتظار، أي ما يعادل 845 توصية لم يتم تنفيذها من أصل 1420 توصية.
هذا الوضع يمثل خرقاً واضحاً للتوجيهات الملكية التي تؤكد على ضرورة تحسين فعالية الإدارات وضمان العدالة للمواطنين وتعزيز مبدأ الجدية في التفاعل مع القضايا المطروحة.
وأوضحت المؤسسة، في تقريرها المنشور بالجريدة الرسمية، أنها اعتمدت ستة مؤشرات رئيسية لقياس مستوى الجدية في تنفيذ توصياتها، من أبرزها نسبة التوصيات غير المنفذة التي لا تزال تسجل معدلاً مقلقاً، على الرغم من تحقيق معدل عام لتنفيذ التوصيات بلغ 75.59% منذ تأسيس المؤسسة.
ووفقا للتقرير، فإن هذه النسبة تخفي تبايناً ملحوظاً بين السنوات، حيث تشير البيانات إلى أن الزمن المستغرق لتنفيذ التوصيات تجاوز الحدود المعقولة، مما يعكس تراجعاً كبيراً في تحقيق أهداف المؤسسة التي تستند إلى مقتضيات تشريعية تلزم الإدارات بتنفيذ التوصيات والإبلاغ عن أسباب أي تأخير محتمل.
وأظهرت المعطيات الواردة في التقرير السنوي للمؤسسة، أن عدد المراسلات التي لم تتلق المؤسسة رداً بشأنها بلغ 2402 رسالة، فيما لم يتم التفاعل مع 242 جلسة بحث مخصصة لمتابعة التظلمات.
ورغم تفهم المؤسسة لبعض التحديات التي تواجه الإدارات، مثل ضيق الموارد المالية أو تعقيدات التنسيق بين الهيئات، إلا أن هذه الأعذار لا تعفيها من التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه المواطنين.
وبلغ عدد التظلمات الواردة على المؤسسة خلال أخر الإحصائيات ما مجموعه 5374 تظلماً، إضافة إلى 1836 ملف توجيه، و9 طلبات تسوية، و7 ملفات مبادرات تلقائية. وأظهرت التحليلات أن 42% من التظلمات ذات طبيعة إدارية، و30% ذات طبيعة مالية، و18% ذات طبيعة عقارية.
ورغم الجهود المبذولة لتسوية هذه التظلمات، تشير الأرقام إلى أن متوسط آجال تنفيذ التوصيات بلغ 1003 أيام، وهو معدل مرتفع للغاية مقارنة بالمأمول.
وخلال الفترة الممتدة من 2019 إلى أحدث الأرقام، تم تداول ما مجموعه 2326 توصية، منها 944 توصية متراكمة من السنوات السابقة. بلغت نسبة تنفيذ التوصيات خلال هذه الفترة 40.28%، حيث تم تنفيذ 957 توصية، بينما تم حفظ 544 توصية لأسباب مبررة.
مع ذلك، لا تزال 845 توصية في انتظار التنفيذ، حسب المؤسسة، ما يمثل نسبة 36.33% من المجموع الكلي. استأثرت الجماعات والمجالس المنتخبة بـ 29.70% من التوصيات غير المنفذة، تليها وزارة الداخلية بنسبة 16.09%، ثم وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات بنسبة 11.36%، وأخيراً وزارة الاقتصاد والمالية بنسبة 10.65%.
ووفقا لمضمون التقرير، فقد بلغت القيم المالية للتوصيات المنفذة أكثر من 28.5 مليون درهم خلال عام 2023، مما يعكس الجهود المبذولة لاسترجاع حقوق المواطنين.
مع ذلك، يشير التقرير إلى أن الإنجاز الحقيقي لا يقتصر على إصدار التوصيات فحسب، بل يتمثل في سرعة وفعالية تنفيذها بما يضمن استجابة فورية وملائمة لحقوق المواطنين.
وتؤكد مؤسسة وسيط المملكة أن تأخير التنفيذ أو تجاهل التوصيات يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات العامة ويزيد من مشاعر الإحباط والظلم. لذلك، تشدد المؤسسة على أهمية التزام الإدارات بسرعة التفاعل مع التوصيات الصادرة، بما يحقق العدالة ويعزز سيادة القانون.
كما تدعو إلى تكثيف الجهود لرفع وعي المواطنين حول معايير التظلم وآليات تقديمه، بهدف تقليل عدد التظلمات غير المستندة إلى أسس قانونية سليمة وتحسين جودة التفاعل بين الإدارات والمرتفقين.