في خضم الأضواء المسلطة على مشروع “مدارس الريادة”، الذي يعدُّ من أبرز المشاريع التعليمية بالمغرب، يتصاعد الجدل حول الاختلالات التي باتت تلقي بظلالها على هذا الطموح الوطني.
ومع كل خطوة جديدة في مسار تنفيذه، تبرز أسئلة ملحة حول نزاهة الصفقات، فعالية الأداء، ومدى تحقيق المشروع لأهدافه المعلنة.
بينما تسعى الوزارة جاهدة لتوسيع رقعة مدارس الريادة لتشمل أكبر عدد ممكن من التلاميذ، اصطدمت هذه المساعي بعقبات جدية، بدءًا من تأخر تجهيز المدارس بالتقنيات الرقمية، وصولاً إلى عدم صرف المنح المخصصة للأساتذة، ما أثار تساؤلات حول جاهزية الوزارة لتطبيق هذا النموذج التعليمي الجديد على أرض الواقع.
الانتقادات لم تأتِ فقط من الكواليس، بل شقت طريقها بقوة إلى قبة البرلمان، حيث وجهت النائبة البرلمانية فاطمة التامني انتقاداتها إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
سؤالها الكتابي لم يكن مجرد إجراء اعتيادي، بل أضاء على تفاصيل صفقة مقررات دراسية تجاوزت قيمتها 7 مليارات سنتيم، واكبتها اختلالات دفعت إلى فسخ العقد مع الشركات المتعاقدة وفرض غرامات مالية.
التامني طالبت بفتح تحقيق شامل يضمن الكشف عن جميع ملابسات الصفقة، كما دعت إلى تعزيز الشفافية والمحاسبة داخل قطاع التعليم، مؤكدة على ضرورة مراجعة الصفقات السابقة للشركات ذات العلاقة للحد من أية تجاوزات مستقبلية.
هذه الدعوة فتحت باب النقاش حول آليات المراقبة في إبرام الصفقات العمومية، ومدى تأثير الفساد المالي على جودة التعليم الذي يتلقاه التلاميذ.
وفي مواجهة هذا الزخم من الانتقادات، ظهر وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، بموقف دفاعي خلال جلسة برلمان الطفل، مؤكداً أن المشروع يسير وفق خطة مدروسة.
واستعرض الوزير استعرض أرقامًا توضح مدى التقدم الذي تحقق حتى الآن، مشيراً إلى أنه برسم الموسم الدراسي 2024-2025، تم توسيع نطاق مشروع “مؤسسات الريادة” لتشمل 2.626 مدرسة ابتدائية، حيث يبلغ عدد التلاميذ المستفيدين برسم السنة المذكورة 1.3 مليون تلميذ، أي ما يعادل 30 في المائة من تلاميذ السلك الابتدائي.
مع تقديم المتحدث ذاته، وعودا بتحقيق التعميم خلال ثلاث سنوات المقبلة.
ومع ذلك، أقر الوزير بصعوبة التحديات، مشيراً إلى أن الرقمنة، التي تُعدّ حجر الزاوية في مشروع مدارس الريادة، تتطلب استثمارات ضخمة وتنسيقًا دقيقًا بين مختلف الفاعلين لضمان تقديم محتوى تعليمي موحد يلبي احتياجات التلاميذ على اختلاف مستوياتهم.
ورغم ذلك، فإن التفوق الذي أظهره تلاميذ مدارس الريادة في الاختبارات مقارنة بزملائهم في المدارس العادية، قدّم بريق أمل للمشروع الذي لا يزال في مراحله الأولى.
وأثبتت نتائج الاختبارات التي أجرتها الوزارة، تفوق تلاميذ مدارس الريادة، إذ تمكنوا من الإجابة عن 60% من الأسئلة مقارنة بـ40% فقط من نظرائهم في المدارس العادية.
مع استمرار الجدل، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للمغرب أن يتجاوز العقبات التقنية والمالية والإدارية ليحقق تحولاً حقيقيًا في نظامه التعليمي؟ أم أن مشروع مدارس الريادة سيظل حبيس الطموحات الكبيرة والتحديات التي تفوق قدرة الوزارة على مواجهتها؟