«صفقة تحلية مياه البحر فلا علاقة لرئيس الحكومة بتوقيعها أو بتمكينها لانها خضعت لمساطر خاصة وفازت المجموعة المعنية بكل شفافية بدليل، لم يسجل أي تشك أو تظلم في الموضوع من قبل الشركات المنافسة». محمد الهيني قاض سابق ومحام ممارس
الرباط-le12.ma
أولا-كيف نعرف مفهوم تنازع المصالح وما هو أساسه الدستوري وما المصلحة المراد حمايتها؟
يعرف تنازع المصالح بأنه كل وضع أو نشاطيؤدي الى تعارض بين الواجبات العامة للمسؤول العمومي ومصالحه الشخصية والمهنية مما يؤثر على حياديته في اتخاذ القرارات وبالتالي فهو كل حالة يكون فيها للموظف العام أو للمسؤول العمومي مصلحة مادية أو معنوية تتعارض أو يحتمل أن تتعارض مع ما تقتضيه وظيفته من نزاهة واستقلال وحياد وحفاظ على المال العام،سواء كانت تلك المصلحة تهمه شخصيا أو تهم أحد أفراد أسرته أو أصدقائه المقربين أو خصومه أو أحد الأشخاص التي يرتبط بها.
ويعتبر دستور 2011 أول دستور مغربي كرس مبدأ عدم تعارض أو تضارب المصالح حيث نص الفصل 36 منه على أنه ” يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلةبالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي.
على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات.
يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية..”
ويرجع السبب في العقاب على حالات تنازع المصالح في رغبة المشرع الدستوري أولا في زجر المخالفات ذات الصلة بالموضوع وأيضا الوقاية منها بغرض تكريس شفافية العمل الإداريونزاهته واستقلاليته وعدم استغلال المرفق العام والقرارات الإدارية في تحقيق مصالح خاصة لا تمت بصلة للمصلحة العامة سواء اضرارا بالمال العام أو بالحياة الإدارية أو بحرية المنافسة ويترتب عنه استفادة غير مشروعة مع ما يستتبعها من تحصيل غير مشروع لمنافع مادية أو معنوية للمسؤول العمومي أو أقربائه أو أصدقائه ويشمل أيضا الاضرار بالخصوم والتأثير على مصالحهم باي وجه من الوجوه.
ثانيا:كيف نظم المشرع تنازع المصالح بالنسبة للوزاء،وماذا عن أشكال الوقاية منها؟
بالنسبة للوزراء فبالإضافة الى الحماية الدستورية من تضارب مصالحهم وتأثيرها على المصلحة العامة ،نظم القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لاعضائها في مادته 33 أشكال الوقاية من هذه الانحرافات بنصه على أنه “يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا طوال مدة مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص،ولا سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح،وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح،باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة “.
وهكذا فالمشرع التنظيمي يعتبر أن تضارب المصالح ينتج عن مزاولة الأنشطة التجارية أو المهنية بصفة فعلية وكذا تدبيرها وتسييرها بصفة شخصية وهذا هو المحظور ،بحيث أن المسؤول الحكومي مطلوب منه التخلي عن مزاولة المهام والتسيير أما استمرار ملكية المشروعات بعد نيل المنصب العمومي ، فلا علاقة له بتضارب المصالح لان حق الملكية حق دستوري والمشرع الدستوري والقانون التنظيمي لا يمكنهما خلع أملاك الناس ولا أملاك المسؤولينلتسيرهم الشأن العام،كما أنه لا يمكن تفويت الأملاك كشرط للتدبير العمومي لان المشرع لم يشترط ذلك ،لكون المشاريع تكون ذات موضوعي وليس شخصي
وفي نفس الاطار يمنع على المسؤول العمومي أن يوقع أو يمكن بصفة شخصية مقاولته من أي منالمشروعات العامة من صفقات أو مشاريع يشرف عليها ،لكن يمكن للمقاولة التي يملكها بصفة كلية أو جزئية أن تشارك في جميع المشاريع والصفقات العمومية التي لا صلة له بتوقيعها أو تمكينها حتى لا تضرر المقاولة من ممارسات تمييزية أو تعسفية،وتبعا لذلك لا يمكن التأسيس لحظر ومنع عام حتى لا يحرم المسؤول العمومي من حقوقه الدستورية كمواطن .
ثالثا-ما رأيكم في الادعاءات بشأن وقوع رئيس الحكومة في تضارب المصالح بشأن صفقة تحلية المياه؟
شخصيا وبشكل موضوعي اعتبر أن رئيس الحكومة لم يقع في هذه المخالفة، لانه التزم بالدستور والقانون، لأنه قبل تقلده لمسؤوليته كرئيس الحكومة لم يعد يسير أو يدبر أي من مشاريعه كما أنه توقف عن مزاولة أنشطته التجارية والمهنية وهذا منتهى الالتزام المهني وبخصوص صفقة تحلية مياه البحر فلا علاقة لرئيس الحكومة بتوقيعها أو بتمكينها لانها خضعت لمساطر خاصة وفازت المجموعة المعنية بكل شفافية ولم يسجل أي تشك أو تظلم في الموضوع من قبل الشركات المنافسة، وبالتالي فلم يسهل رئيس الحكومة للمقاولة أي إجراءات ولم يمنحها أي امتيازات ولم يوقع على أي اجراء أو مسطرة بخصوص الصفقة
رابعا:ما هي الوسائل الدستورية والقانونية لمواجهة تضارب المصالح لتجنب التسييس والمزايدات؟
ما احوجنا إلى الوسائل الدستورية والقانونية أولا للوقاية من الانحرافات بالنسبة لجميع المسؤولين العموميين ثم زجرها ،وبالنسبة للفاعل السياسي فقد مكن الدستور البرلمان من وسائل مراقبة العمل الحكومي بحيث يمكن طرح الأسئلة الشفوية والكتابية وتشكيل لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية ،كما يمكن سحب الثقة من الحكومة .
وأيضا يمكن مقاضاة المسؤولين العموميين مدنيا وإداريا وجنائيا وتأديبيا عن هذه المخالفات في اطار دولة الحق والقانون لتخليق الحياة العامة وتحقيق المصلحة العامة وحماية المنافسة وصيانة الشفافية .
*المصدر جريدة «الصباح»