بقيت دول القارة الإفريقية حتى منتصف القرن العشرين، تشكل مسرحا للتنافس الاستعماري لعدد من الدول العظمى، وخلال بداية الستينات تمكنت بعض دول القارة من الحصول على استقلالها، ومنذ ذلك الحين بدأت المحاولات لتشكيل منظمة قارية قادرة على الدفاع على مصالح الدول الأعضاء المنتمية لها أمام المطامع الأجنبية.
الإرهاصات الأولى لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية
وفي سنة 1961 وجه الملك المغربي الراحل الحسن الثاني الدعوة لرؤساء وقادة عدد من الدول الإفريقية التي نالت استقلالها، لعقد اجتماع عالي المستوى بالدار البيضاء، من أجل مناقشة الوسائل العملية الكفيلة بأن تدرأ عن القارة الإفريقية أخطار الاستعمار، وتعزز جانب الوحدة الإفريقية، وتزيد أواصر التضامن الإفريقي قوة ومتانة.
واستجابت كل من مصر وغانا وغينيا ومالي وليبيا والحكومة الجزائرية المؤقتة لدعوة الملك الحسن الثاني، وفي الرابع من شهر يناير افتتح الملك الحسن الثاني المؤتمر، ومما قال في كلمته:
“قطعت إفريقيا أشواكا كبيرة في طريق التحرر والانعتاق، وسجلت الشهور المتوالية والسنون المتعاقبة لها نصرا بعد نصر، حتى عدت سنة 1960 بحق سنة انبعاث إفريقيا. ولكن هذا الانبعاث هال الاستعمار العتيق، وجعله يتشكل في شكل جديد، ويتخذ أساليب جديدة، ويمهد لمستعمراته سبيلا مضللة يكمن في ثناياها الخطر، ولا تفضي بسالكيها إلا إلى حرية بتراء. ولهذا يجب على الشعوب الإفريقية أن تضاعف انتباهها وحذرها، وتعد العدد، وتهيئ الأسباب الكفيلة بكشف الاستعمار الجديد واستئصال أخطاره”.
وتابع الحسن الثاني مخاطبا القادة الحاضرين “إن هذه اللحظة التي نجتمع فيها الآن لحظة تاريخية حاسمة في حياة إفريقيا. فبعد ما عاشت شعوبها سنين طويلة مستعمرة مقسمة محالا بينها وبين الاتصال الحر المباشر، ها هي ذي طائفة من دولها المستقلة بشرقها وغربها ووسطها، تجتمع لتضع ميثاق إفريقيا الجديدة، وتعبد سبل التحرر والسعادة لأجيالها الحاضرة والمقبلة”.
وأضاف في كلمته “فلا ينبغي أن تعالج مواضيع هذا المؤتمر على أساس الاعتبارات الخاصة بالدول المشاركة فيه فحسب، بل على أساس الاعتبارات العامة والمصالح العليا لإفريقيا. وأن لنا اليقين بأن المؤتمر المقبل سيحضره عدد أوفر من الدول الإفريقية، وإننا لنتطلع بمنتهى الأمل إلى اليوم الذي يجتمع فيه المسؤولون عن دول إفريقيا كلها بشرقها وغربها وشمالها وجنوبها، للنظر في شؤون قارتهم، وقد اختفت منها أشباح الاستعمار والعنصرية والانقسام، وأشرقت عليها شمس الحرية والوحدة والرخاء والسلام، واشتدت أواصر تعاونها على ما فيه خير الإنسانية”.
وتمخضت عن المؤتمر الذي في الفترة الممتدة من 4 إلى 7 يناير من سنة 1961 مجموعة من التوصيات أبرزها الدعوة لإنشاء “تعاون فعلي بين الدول الإفريقية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية” وتكوين “مجلس استشاري إفريقي يضم مثلين عن كل الدول الإفريقية”، وتأسيس أربعة لجان “اللجنة الاقتصادية الإفريقية” واللجنة الثقافية الإفريقية” و”قيادة إفريقية عليا مشتركة” و”إحداث مكتب اتصال”.
تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية
بعد سنتين من مؤتمر الدار البيضاء، وبالضبط في 26 ماي من سنة 1963 تم التوقيع على ميثاق إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية بحضور 30 دولة إفريقية مستقلة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وفي 25 ماي من سنة 1963 تم الإعلان رسميا عن إنشاء هذه المنظمة.
وتم الاتفاق على أن تكون عضوية هذه المنظمة مفتوحة للدول الإفريقية المستقلة ذات السيادة، بما في ذلك الجزر الإفريقية شريطة أن تؤمن هذه الدول بمبادئ المنظمة المتمثلة في “سياسة عدم الانحياز”، و”عدم ممارسة التفرقة العنصرية”، وفي حالة “انضمام عضو جديد، يقرر قبوله بالأغلبية المطلقة للدول الأعضاء”، و”يسمح لكل عضو بالانسحاب من المنظمة بطلب انسحاب خطي، ويصبح الانسحاب نافذاً بعد مضي عام”.
ومنذ ذلك الحين كانت منظمة الوحدة الأفريقية تعقد اجتماعا سنويا في واحدة من العواصم الإفريقية، يحضره رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء فيها، وتناوب قادة الدول الإفريقية على رئاستها بشكل دوري.
وفي الفترة ما بين 12 و15 يونيو من سنة 1972 احتضنت العاصمة المغربية الرباط القمة التاسعة لمنظمة الوحدة الإفريقية، وتسلم الملك الراحل الحسن الثاني رئاسة المنظمة من الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه.
انضمام “جمهورية” البوليساريو
في مطلع سنة 1976 بدأت الضغوط الجزائرية والليبية تؤتي أكلها، وخلال شهر يناير من ذات السنة أوصى اجتماع لجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الافريقية في مابوتو عاصمة الموزمبيق بالاعتراف بجبهة البوليساريو كـ”حركة تحرير افريقية”، وفي 27 فبراير من سنة 1976 أعلنت جبهة البوليساريو قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” من جانب واحد.
وفي مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في 17 يوليوز سنة 1978، بالعاصمة السودانية الخرطوم، طالب قادة الدول المشاركة بوقف العمليات العسكرية في الصحراء الغربية، وأوصوا بضرورة البحث عن حل سياسي للنزاع على ضوء قرارات المنظمة ووفقاً لميثاق الامم المتحدة.
وخلصت القمة إلى إنشاء لجنة حكماء من خمسة رؤساء أفارقة ضمت كل من رؤساء السودان وغينيا ومالي ونيجيريا وتنزانيا لدراسة معطيات نزاع الصحراء الغربية بقصد تقديم اقتراحات وتوصيات محددة لمؤتمر القمة الافريقية اللاحق.
وخلال القمة المنعقدة بالعاصمة الليبيرية منروفيا خلال سنة 1979، أوصت منظمة الوحدة الإفريقية بـ”ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره من خلال استفتاء عام وحر”، بعد ذلك أوصت القمة التي احتضنتها العاصمة السيراليونية فريطاون سنة 1980 بضرورة الاسراع بتنظيم استفتاء حر لتحديد مصير المنطقة.
وفي سنة 1981، توجه الملك المغربي الراحل الحسن الثاني إلى العاصمة الكينية نيروبي من أجل المشاركة في قمة منظمة الوحدة الإفريقية، وأعلن في خطابه أمام القمة الافريقية قبول المغرب إجراء استفتاء في الصحراء.
وفي شهر فبراير من سنة 1982 وخلال الدورة الثامنة و الثلاثين لمجلس وزراء الخارجية الافارقة المنعقد في أديس أبابا بإثيوبيا، تم الإعلان عن قبول طلب “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” كعضو كامل العضوية في منظمة الوحدة الافريقية بعد موافقة 26 دولة من الأعضاء لتصبح بذلك العضو الواحد و الخمسين في منظمة الوحدة الإفريقية.
وكان مقررا أن تعقد قمة المنظمة الإفريقية في العاصمة الليبية طرابلس، وهي القمة التي كان من المفترض أن تحضر فيها “جمهورية” البوليساريو لأول مرة، لكن حالة العداء بين الادارة الامريكية برئاسة ريغان وليبيا تحت قيادة القذافي، جعل واشنطن تضغط على عدد من الدول الإفريقية من أجل مقاطعة القمة.
وقاد التوجه الداعي إلى مقاطعة القمة إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية كل من المغرب وزايير(الكونغو الديمقراطية حالياً) والسينغال و السودان و الصومال، وبالفعل تم إلغاء القمة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المتمثل في حضور 34 من الدول الاعضاء.
انسحاب المغرب
وخلال قمة منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في 12 نونبر من سنة 1984 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حضر لأول مرة وفد يمثل “الجمهورية الصحراوية” يقوده زعيم جبهة البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز، وهو ما جعل المغرب يقرر الانسحاب من المنظمة، معللا قراره بأن “جمهورية” البوليساريو لا تتوفر على شرط “الدولة المستقلة وذات السيادة”، باعتبار أنها مجرد جماعة تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة المغربية. خصوصا وأن قوانين المنظمة الأفريقية تنص على أن عضويتها مفتوحة للدول الأفريقية المستقلة ذات السيادة، شريطة أن تؤمن هذه الدول بمبادئ المنظمة المتمثلة في سياسة عدم الانحياز.
وخلال الجلسة الافتتاحية تلا رئيس الوفد المغربي، المستشار الملكي الراحل أحمد رضا اكديرة، الخطاب الملكي الموجه إلى القمة، وجاء فيه:
“ها قد حانت ساعة الفراق، ووجد المغرب نفسه مضطرا ألا يكون شريكا في قرارات لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل لا رجعة فيه لتقويض أركان المشروعية، العنصر الحيوي لكل منظمة دولية تحترم نفسها”.
وتابع الملك الراحل الحسن الثاني في خطابه “الواقع أن منظمة الوحدة الإفريقية، قد ارتكبت بما يتنافى، ويشكل انتهاكا صارخا للفصل الرابع من ميثاقها، خطأ يعد سابقة خطيرة، وستبقى عواقبه لأمد بعيد لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ومن شأنه أن يتكرر، إننا نحن رؤساء الدول، رجال سياسة، وتلك مهمتنا الأساسية قد تلقينا من شعوبنا تفويضا جوهريا وأساسيا، يكمن في أنه في إطار ممارسة سياستنا، سواء الداخلية أو الخارجية، ينبغي أن تقوم هذه السياسة على أساس ثابت، وغير قابل للانتهاك، ألا وهو الاحترام الدائم للمشروعية”. وأضاف:
“فلم يبق لنا الآن إلا أن نتمنى لكم حظا سعيدا مع شريككم الجديد، الذي سيتعين عليه أساسا أن يملأ الفراغ الذي سيتركه المغرب، على مستوى الأصالة والمصداقية والاحترام، إفريقيا وعالميا”.
وعبر الملك عن يقينه بأنه “سيأتي يوم يعيد فيه التاريخ الأمور إلى نصابها، وفي انتظار ذلك، فإن البعض منا – وهذه حقيقة مؤلمة – قد تحمل مسؤوليات بعيدة عن التعقل”.
عودة المغرب
في 9 يوليوز من سنة 2002 تأسس الاتحاد الإفريقي على أنقاض جبهة منظمة الوحدة الإفريقية، وتشكل أعضاء المنظمة الجديدة من كل أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية بما فيهم جبهة البوليساريو.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية تغير الوضع في القارة السمراء، وتراجع النفوذ الجزائري والليبي في القارة، وسحبت العديد من الدول الإفريقية اعترافها بالجمهورية الصحراوية.
وفي 18 يوليوز من سنة 2016 وجه الملك محمد السادس رسالة إلى القمة السابعة والعشرين للاتحاد التي انعقدت في العاصمة الرواندية كيغالي، جاء فيها:
“هل سيظل الاتحاد الإفريقي مصرا على مخالفة المواقف الوطنية للدول الأعضاء، حيث لا تعترف 34 دولة على الأقل، أو لم تعد تعترف بهذا الكيان؟ وحتى ضمن 26 بلدا الذين انحازوا لجانب الانفصال سنة 1984، لم يعد هناك سوى قلة قليلة لا يتعدى عددها 10 دول”.
وتابع العاهل المغربي “السيد الرئيس، السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات، إن أصدقاءنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد، العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية، ضمن أسرته المؤسسية. وقد حان الوقت لذلك. وبعد تفكير عميق، بدا لنا واضحا أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج. إن قرار العودة، الذي تم اتخاذه بعد تفكير عميق، هو قرار صادر عن كل القوى الحية بالمملكة. ومن خلال هذا القرار التاريخي والمسؤول، سيعمل المغرب من داخل الاتحاد الإفريقي، على تجاوز كل الانقسامات”.
وخلص الملك محمد السادس إلى القول “إن المغرب يتجه اليوم، بكل عزم ووضوح، نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية، ومواصلة تحمل مسؤولياته، بحماس أكبر وبكل الاقتناع. وهو يثق في حكمة الاتحاد الإفريقي، وقدرته على إعادة الأمور إلى نصابها، وتصحيح أخطاء الماضي. وكما يقال: إن الحقيقة لا تحتاج إلى دليل على وجودها، فهي معيار ذاتها”.
وخلال قمة الاتحاد الإفريقي المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أواخر شهر يناير من سنة 2017، تم قبول طلب المغرب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي بشكل رسمي، رغم معارضة حلفاء جبة البوليساريو وخاصة الجزائر وجنوب إفريقيا.