نشرت صحيفة “العمق المغربي” المحترمة مادة إعلامية بعنوان “انتحال صفة صحافي بالمغرب.. تصاعد المطالب بتفعيل القانون” بتاريخ 16 يناير 2025، تضمنت تصريحًا ليونس مجاهد بصفته رئيسًا للجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، وذلك على خلفية استمرار ظاهرة انتحال صفة الصحافي وتزايد حالات المتطفلين على المهنة دون مؤهلات قانونية. وبينما تعد هذه المطالب مشروعة لحماية القطاع، فإن تصريحات مجاهد تستوجب الرد والتوضيح.
إذا كان يونس مجاهد يريد الحديث عن المهنية والقانون، فالأجدر به أن يبدأ بتطبيق ما ينادي به على نفسه أولاً، وذلك بامتلاك النفس الديمقراطي وإجراء انتخابات لتجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة، الذي تحول إلى لجنة مؤقتة أضعفت دوره ومزيته. والجميع يدرك حقيقة الصراعات الخفية والمعلنة التي لا علاقة لها بتنظيم المهنة، بل ترتبط بحب الكراسي والتعويضات.
طوال مدة ولاية المجلس الوطني للصحافة، مع التمديد، بالإضافة إلى مدة اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، لم نشهد أي تنظيم للمهنة. كل ما لاحظناه هو عشوائية في التسيير وتشرذم مهني، مما يستدعي المحاسبة قبل أي حديث، مع الكشف عن أسباب فشل التجربة عبر ندوة صحفية تتيح الحق الدستوري في المعلومة، وتوضح حقيقة الصراعات مع التنظيمات المهنية الشريكة في تجربة التأسيس. وبدلاً من ذلك، يبدو أن يونس مجاهد يبحث عن ذرائع للاستمرار في مكان لا ترغب الغالبية العظمى من الصحافيين ببقائه فيه. وإن قال العكس، فليكن جريئًا ويُجرِ انتخابات ليرى كم من الصحافيين سيصوتون له. وتلك هي الديمقراطية الحقيقية.
إن تصريحاته التي يدّعي فيها محاربة “منتحلي صفة الصحافي” ليست سوى غطاء مكشوف لحملة تستهدف القضاء على المقاولات الصحفية الصغرى، مستخدمًا سلاح البطاقات المهنية وسلطة المجلس الوطني للصحافة لتصفية خصومه ومعاقبة منتقديه. ولقد شهدنا استغلال الدعم العمومي كأداة لإضعاف أو إقصاء المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتوجيهه لمؤسسات بعينها تخضع لنفوذ وولاءات محددة. وبعد إنهاك القطاع من خلال التوزيع الانتقائي للدعم، يعود مجاهد اليوم ليستخدم البطاقة المهنية كوسيلة لحرمان الصحافيين من ممارسة عملهم، متذرعًا بضرورة “تنظيم القطاع”. والحقيقة أنه يسعى للقضاء على المقاولات الصغرى التي يزعجه أصحابها بانتقاداتهم اللاذعة.
وإذا كان مجاهد يوجه دعوته إلى النيابة العامة بشأن عدم تجديد بعض مديري النشر لبطائقهم، وبالتالي إدخالهم في خانة منتحلي الصفة، بالرغم من استيفائهم جميع الشروط القانونية، فعلى النيابة العامة أن تعلم أن الرجل قد سنّ قانونًا خارج إطار التشريعات الوطنية، أطلق عليه “النظام الخاص”، متجاوزًا اختصاص البرلمان، الذي يُعد الجهة الوحيدة المخولة بالتشريع. كما يتوجب عليها أن تدرك أن مؤسسة التنظيم الذاتي تُستخدم كأداة لاستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، وهي تُهم ما تزال قيد التحقيق بمحكمة الرباط. فهذا القانون الخاص، الذي شرعه يونس مجاهد ومن معه، أصبح يتدخل في الشؤون الداخلية للمقاولات.
لقد بات منح البطاقة المهنية، من وجهة نظرهم، ليس رهينًا بالمؤهل الأكاديمي، الذي هو الأساس، بل بأداء واجبات الضمان الاجتماعي والضرائب. وكما تعلم النيابة العامة، فإن هاتين المؤسستين يحكمهما قانون، وهما الأحق بفرض هذه الواجبات، التي لا علاقة لها بالبطاقة المهنية، خاصة فيما يتعلق بمديري النشر ومالكي المؤسسات الإعلامية.
وإذا كان يونس مجاهد يتحدث عن البطاقات المهنية، فما الذي يمنعه ومن معه من نشر لوائح الصحافيين الحاصلين على البطاقات المهنية؟ ولماذا لا يتم نشر التقارير المالية للمجلس الوطني للصحافة؟ ولماذا لم يكشف عن تفاصيل الصفقات المبرمة؟ أليست الشفافية إحدى ركائز المهنية التي ينادي بها؟
إن ادعاء محاربة انتحال صفة الصحافي لا يخفي حقيقة استغلال البطاقة المهنية كسلاح لتكميم الأفواه وتصفية الحسابات. فالنيابة العامة، التي يدعوها مجاهد للتدخل، تدرك جيدًا أن حملته ضد بعض مديري النشر ليست سوى تصفية حسابات شخصية، خاصة مع أولئك الذين قاضوه بتهم استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة، بعدما حرمهم من حق الولوج إلى منصة طلب تجديد البطاقة. وهنا وجب على النيابة العامة أن تفتح معه تحقيقًا بهذا الخصوص. أما إطلاق تصريحات بعبارات جميلة شكلاً، وتخفي بين طياتها أهدافًا مريبة، فلن يخدم القطاع، بل يخدم فقط الأهواء وشهوة السيطرة.
أما الحديث عن التجارب الدولية في تنظيم القطاع، فهو مجرد محاولة لتبرير ممارسات لا علاقة لها بالمهنية. ففي الدول التي يتغنى بها مجاهد، لا يتم فيها تجاوز الديمقراطية، ولا يحتكر أحد الكراسي كما يفعل هو، مصرًا على رفض إجراء الانتخابات المهنية التي تمثل حقًا أصيلًا لجميع الصحافيين. فالتجارب الدولية تجعل المسؤول عن الصحافيين خبيرًا في الميدان، وليس شخصًا لا يتخذه الصحافيون قدوة، ولم يقدم أي إضافة.
إن تصريحات يونس مجاهد تعكس رغبته الواضحة في إحكام قبضته على قطاع الصحافة بالمغرب، ضداً على إرادة الصحافيين. الرجل الذي يفترض به الدفاع عن المهنة أصبح أداة لزرع الانقسام ودفع الجسم المهني نحو مزيد من التشتت.
إن كان يونس مجاهد جادًا في حماية الصحافة، فعليه أن يبدأ بإعادة الاعتبار للمقاولات الصغرى والمتوسطة، وأن يكف عن استخدام البطاقة المهنية لتصفية الحسابات. كما يجب أن يتحلى بالجرأة لنشر لوائح الحاصلين على البطاقات المهنية وكشف التقارير المالية للمجلس، بدلاً من الاكتفاء بخطابات رنانة تخدم مصالحه الضيقة.
إن الصحافة في المغرب ليست مزرعة خاصة ولن تكون رهينة لطموحات فرد أو مجموعة. فما نحتاجه اليوم ليس محاربة “منتحلي الصفة”، بل مواجهة “منتحلي المهنية”، الذين حولوا المؤسسات الصحفية إلى أدوات تخدم أجنداتهم الشخصية، ودفنوا قيم الحرية والاستقلالية تحت وطأة التسلط وشهوة السيطرة.