يشهد شمال إفريقيا ديناميكية متصاعدة في التنافس العسكري، حيث تعكس الخطوات الأخيرة التي اتخذها المغرب والجزائر سباقا محموما نحو تعزيز الترسانات العسكرية، مما يسلط الضوء على التحولات الاستراتيجية في المنطقة.
وتأتي سلسلة صفقات التسلح الأخيرة التي أبرمتها المملكة لتؤكد عزمها على تحديث ترسانتها العسكرية، بما في ذلك الاتفاق على اقتناء مقاتلات F-16 المتطورة وأنظمة صواريخ متقدمة من طراز AIM-120C-8 وAMRAAM-C8، بالإضافة إلى قنابل موجهة دقيقة مثل GBU-39B.
وتُضاف إلى هذه الصفقات أنباء عن احتمالية حصول المغرب على مقاتلات F-35 الأمريكية، التي تعد من بين أكثر الطائرات تطورا في العالم، مما سيجعله أول بلد إفريقي يقتني هذا النوع من الطائرات، هذه الديناميكية المتسارعة في التسلح، إلى جانب المساعدات اللوجستية والتقنية المقدمة من شركاء استراتيجيين كأمريكا وإسرائيل، تضع المنطقة في مواجهة سباق تسلح متزايد، مع تأثيرات واضحة على التوازن الاستراتيجي والأمن الإقليمي، لا سيما في سياق التنافس التاريخي بين المغرب والجزائر.
تنافس إقليمي
تعرف منطقة شمال إفريقيا سباقا محمومًا نحو التسلح بين المغرب والجزائر، إضافة إلى إسبانيا، في ظل تنافس إقليمي ونزاع يتعلق بالصحراء، ووفقا لخبير العلاقات الدولية محمد شقير، فإن هذا التسابق يعكس محاولة كل طرف تعزيز قدراته العسكرية وضمان توازن استراتيجي في المنطقة، حيث أصبحت التكنولوجيا العسكرية المتطورة محورا رئيسيا للصراع غير المباشر بين هذه الدول.
وأشار شقير إلى أن المرحلة الحالية من سباق التسلح تتميز بالتركيز على اقتناء أحدث الطائرات الهجومية، مثل إف-35 بالنسبة للمغرب، و”سوخوي 57″ بالنسبة للجزائر، مضيفا أن المغرب اتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على هذه الطائرات، مستفيدا من علاقاته الاستراتيجية مع واشنطن، إضافة إلى غياب اعتراض إسرائيلي، خاصة أن إسرائيل تمتلك هذا النوع من الطائرات بشكل حصري في المنطقة.
يرى خبير العلاقات الدولية أن هناك مؤشرات على أن المغرب أبرم صفقة للحصول على 32 طائرة من طراز إف-35، تنفذ على مراحل تمتد لعشر سنوات، كما أن اتفاقية الشراكة بين المغرب وأمريكا، الممتدة حتى عام 2030، قد تسهم في تسهيل هذه الصفقة، خصوصًا في ظل عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي، الذي يُعرف بانحيازه للمغرب.
على الجانب الآخر، تعمل الجزائر على تعزيز قدراتها العسكرية عبر اقتناء طائرات سوخوي 57 الروسية، في محاولة لتحقيق توازن مع المغرب، مما يبرز اشتداد التنافس بين البلدين.
وسيلة لمنع الحرب
وأكد المتحدث ذاته أن سباق التسلح الحالي يعد وسيلة لمنع الحرب المباشرة بين المغرب والجزائر، حيث يسهم في خلق حالة من الردع المتبادل، ومع ذلك، يعتبر هذا التسابق شكلا من أشكال الحرب غير المباشرة، إذ تسعى كل دولة لاقتناء أسلحة متفوقة أو مضادة للأسلحة التي يمتلكها الخصم.
وأضاف شقير أن أي حرب مباشرة بين البلدين ستكون كارثية على المنطقة، وستواجه رفضا دوليا بسبب تداعياتها السلبية على استقرار شمال إفريقيا، وبالتالي، فإن سباق التسلح يظل وسيلة لضمان التوازن الإقليمي، مع استمرار استبعاد خيار الحرب المباشرة.
وخلص خبير العلاقات الدولية، محمد شقير، إلى أن استمرار التنافس على اقتناء أحدث التكنولوجيات العسكرية، يبقى السباق نحو التسلح في شمال إفريقيا عاملا أساسيا لإعادة تشكيل موازين القوى”.
ومن جانبه أكد المحلل السياسي عبد العزيز كوكاس أن المغرب يتبع استراتيجية واضحة لتعزيز قدراته العسكرية من خلال تنويع شركائه في مجال التسلح، وهو ما يهدف إلى تحديث الترسانة العسكرية للقوات المسلحة الملكية وتحسين كفاءتها بما يتلاءم مع التحديات الإقليمية والدولية.
تنويع الشركاء
أوضح المتحدث ذاته، أن المغرب يعتمد على تنويع مصادر أسلحته، ما يمنحه مرونة كبيرة في اقتناء أحدث الأنظمة العسكرية، مسجلا أن الترسانة المغربية تشمل أسلحة من دول مثل الصين، تركيا، روسيا، وأوروبا، إلى جانب الشريك التقليدي، الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح أن هذه الاستراتيجية لا تقتصر على زيادة حجم الترسانة، بل تركز على اقتناء نوعية أسلحة متطورة أثبتت كفاءتها في الميادين البرية والبحرية والجوية، مما يظهر انتقالا نوعيا في سياسة التسلح المغربية.
وأبرز المحلل السياسي في تصريح لـ “العمق” أن المغرب يعمل على تطوير أسلحته الحالية، مثل طائرات إف-16، التي تم تحديثها بأنظمة صواريخ متطورة لتعزيز فعاليتها، مشيرا إلى أن هناك جهودا تبذل لتوسيع القدرات التصنيعية المحلية في مجال الأسلحة الثقيلة، وذلك ضمن استراتيجية تمتد حتى عام 2030.
توازن الرعب
وأكد كوكاس أن المغرب والجزائر يخوضان صراعا محموما على النفوذ في شمال إفريقيا، مشيرا إلى أن هذا التنافس يزيد من حدة سباق التسلح بين البلدين، مضيفا أن التحولات السريعة التي يحققها المغرب في مجالات الدبلوماسية والاستثمار قد تثير توترات إقليمية، ما يعزز احتمالات اندلاع نزاع عسكري.
ومع ذلك، أشار كوكاس إلى أن “توازن الرعب” الناتج عن هذا السباق قد يلعب دورا في ردع أي مواجهة عسكرية مباشرة، مشددا على أن الحرب بين البلدين ستكون لها تداعيات كارثية على المنطقة برمتها.
وسجل كوكاس في ختام حديثه وجود مفاوضات بين المغرب والولايات المتحدة لشراء طائرات إف-35، وهي من أحدث الطائرات الهجومية في العالم، وفي حال نجاح هذه الصفقة، سيصبح المغرب أول بلد إفريقي يمتلك هذا النوع من الطائرات، مما يعزز مكانته كقوة إقليمية بارزة.
يذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت عن موافقتها على صفقة تسليح جديدة موجهة للمغرب، تتعلق ببيع 500 قنبلة صغيرة القطر من طراز GBU-39B، إضافة إلى معدات عسكرية متنوعة بتكلفة إجمالية تُقدر بـ86 مليون دولار، في خطوة تعكس استمرار التعاون العسكري والأمني الوثيق بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
وللإشارة فإن الوزارة الأمريكية أعلنت عن موافقتها على صفقة بيع عسكرية جديدة للمملكة المغربية، تتضمن صواريخ متوسطة المدى جو-جو من طراز AIM-120C-8 ومعدات ذات صلة، بقيمة تقديرية تبلغ 88.37 مليون دولار.